وصف الكتاب:
لعل من إهمال دراسة أدب حقبة المماليك إختلاطاً في الأمر، إذ جعل بعضهم تاريخ سقوك بغداد (656هـ) حداً فاصلاً بين قوة الدولة العربية وضعفها وإنحلالها، وزعم أن هذا التاريخ هو كذلك الحدّ الفاصل بين أدب القوة وأدب التجدد، وأدب الضعف والإنحلال، وأدب عصر المماليك، لا سيما نثره، المسجوع منه وغير المسجوع. كان إمتداداً للماضي في الحاضر، تكلف منشؤه منه الصناعة التي كان لها في فن الترسل هندسة مرسومة وخطة موضوعة. كما كان لهم بالتنسيق الكلامي عناية خاصة كادت أن تصل إلى حدّ الغلو، فجاءت وفرة من رسائلهم النثرية من السجع الموقع، الملحن تلحيناً متقناً، الموشى بزخارف البديع، والمصور بصور زاخرة بصور البيان. أما من غير فنّ الترسل فلم يكن للسجع تلك العناية إلا ما جاء منه عفو الخاطر، أو في مكان يستدعيه، لا سيما حيثما يكون الكاتب شغوفاً بتزيين سجعاته بمختلف أنواع البديع وألوانه. كما في أدب الرحلات الذي يعدّ وثيقة تاريخية وإجتماعية وجغرافية وفكرية... غنية أثرت المخزون العربي، أو كما في الحكم والنصائح والأمثال المندرجة في باب التجريد، ويلائمها جميعاً الأسلوب المسجع في تعابيره القصيرة، ومحاوره المتلائمة مع الواقع المعاش. ولعل القصة من الفنون النثرية التي إهتم بها أدباء العصر، فأنشأوا متها قصصاً منتوعاً من واقع ما يجري في الحياة. ولم تكن القصة عندهم على مختلف أنواعها، سبيلاً إلى التفكه والتسلية، وإظهار البراعة الفنية، بل كانت دليلاً وحجة على ما يرجي إليه منشئها وصل فيها إلى مستوى عالٍ من القصّ. ولمسنا فيها العبرة في الواقع بحاضره وماضيه. وإن كان لبديع الزمان الهمزاني فضل السبق إلى إستحداث فنّ المقامات في العربية، فإن الناس في هذا العصر قد أكبوا على فن المقامات إكباباً شديدا ًوأحاطوا الشكل المقامي بكثير من الجلال. وإن خرجوا على الهمزاني والحريري، وإستبدلوا ما كان عندهما من كدية وحيلة بخارقة أو معجزة. ضمن هذه المناخات تأتي الدراسة في هذا الكتاب حول النثر العربي أيام المماليك. هذا ولما كانت الغاية الأصلية الإطلاع على نتاج هذا العصر الأدبية والإجتماعية والفنية والحضارية... كانت للمؤلف قراءة في ذاك النتاج مع الإتساع في تناول جوانب كثيرة منه بالدراسة النقدية التحليلية وعرض ما فيه من روائع الفكر والفن بإسلوب واضح بسيط أقرب إلى الذوق المعاصر. وجاءت هذه الدراسة ضمن محاور ثلاث، في المحور الأول قدم المؤلف لمحة تاريخية عن هذا العصر بالإضافة إلى دراسة تناولت المماليك ودولتهم، والنظام السياسي، والإداري، المجتمع، الحياة الدينية والعلوم الإسلامية، اللغة العربية وعلومها، الإقتصاد، العمارة، المدارس، والمكتبات والمشافي، العلوم الكونية والموسوعات، فن الترسل، وجار المحور الثاني حول فن الترسل بما في ذلك صناعة الكتابة، التوقيعات، أصول المخططات... وثم تخصيص المحور الثالث لدراسة فن القصة بالإضافة إلى فنون أخرى.