وصف الكتاب:
أنجزت إحدى أضخم عمليات الفتح العربي الإسلامي، في مدة لم تتجاوز الست سنوات (91-97هـ/710-716م) جرى خلالها فتح الأندلس، في حين استغرق فتح المغرب قبلها مباشرة، زهاء سبعين سنة هجرية/ثماني وستين سنة ميلادية (21-90هـ/642-709م) فكان من أصعب الجبهات التي استغرق فتحها زمناً طويلاً، عكس جبهة الأندلس، استطاع خلالها موسى بن نصير وطارق بن زياد أن يرفعا راية الحكم العربي الإسلامي في البوابة الغربية للقارة الأوروبية. ويشير ابن خلدون إلى أن فكرة التوغل في أوروبا وتطويق الدولة البيزنطية، داعبت خيال القائد موسى بن نصير، ولكن ذلك يبقى في إطار الاستنتاج، علماً أن القائد عبد الرحمن الغافقي، حاول تحقيق تلك الفكرة، لكنه لم ينجح منذ البداية. ومن خلال النقد والمقارنة التاريخية، اتضحت معالم الفتح العربي الإسلامي للأندلس، على يد القائد العربي موسى بن نصير والقائد البربري طارق بن زياد، حتى تحول هذا الفتح إلى ما يشبه الأسطورة، لا تقل عنها صورة القائد العربي عبد الرحمن الغافقي الذي لو لم يهزم في موقعه "بلاط الشهداء" أو "بواتيه" سنة 114هـ/732م، لفتح قارة أوروبا بأسرها عقب سقوط فرنسا بعد إسبانيا. ولكن قيام الإمارة الأموية في الأندلس مستقلة عن الخلافة العباسية في الفترة (138-316هـ/756-929م)، ثم الخلافة الأموية وعاصمتها قرطبة في الفترة (316-422هـ/929-1031م)، لم يمنع أن تعيش الأندلس في شبه عزلة عن سائر دول القارة الأوروبية، لتبقى ممثلة لأقصى الطرف الغربي من العالم الإسلامي، قبل أن تبدأ الممالك المسيحية حرب الاسترداد، وتسيطر على الأندلس بأسرها، باستثناء غرناطة، سنة 642هـ/1244م. استبد البربر والصقالبة مع ضعف الخلافة الأموية في قرطبة، كما استبد الفرس والأتراك مع ضعف الخلافة العباسية في بغداد. واستمر التناحر حول السلطة والنفوذ في الأندلس، والممالك المسيحية تتابع حرب الاسترداد، مغتنمة الضعف والانقسام، وهي تسترد المدن والممالك واحدة بعد واحدة، حتى انحصر ملك المسلمين داخل رقعة صغيرة في جنوب شرق الأندلس، هي غرناطة التي قاومت السقوط وحدها طيلة قرنين ونصف القرن، حتى سقطت بدورها يوم الاثنين أول ربيع الأول 897هـ/ 2 كانون اثاني 1492م، وسقطت معها الأندلس، لتضيع نهائياً. حينما سقطت الخلافة الأموية في دمشق على يد العباسيين سنة 132هـ/ 750م، كانت الأندلس ولاية عربية إسلامية تابعة للخلافة الأموية منذ فتحها على يد القائدين طارق بن زياد وموسى بن نصير سنة 97هـ/716م. فأصبحت تابعة شكلياً للخلافة العباسية لفترة وجيزة جداًن لا تتعدى الست سنوات (132-138هـ/750-756م)، تمكن بعدها الأمير عبد الرحمن الأول "الداخل" الذي فر من سيوف العباسيين في دمشق، من تأسيس إمارة مستقلة عن الخلافة العباسية استمرت زهاء 173 سنة (138-316هـ/756-929م)، كرس بعدها عبد الرحمن الثالث "الناصر لدين الله" الحكم الأموي مع إعلانه الخلافة الأموية في قرطبة سنة 316هـ/929م. وهذا يعني أن الحكم الأموي استمر طويلاً، منذ نهاية عهد الخلفاء الراشدين، سنة 41هـ/661م، فهو إن سقط في دمشق سنة 132هـ/750م، فقد استمر في قرطبة حاضرة الأندلس حتى سقوطه النهائي سنة 422هـ/1031م. وهذا التاريخ لا يشير أبداً إلى سقوط الأندلس، بل إلى سقوط الدولة الأموية نهائياً. وإذا كانت هذه الدولة الأموية قد استمرت في دمشق طيلة تسعين سنة (41-132هـ/661-750م)، إلا أنها استمرت في الأندلس طيلة أكثر من ثلاثة قرون (97-422هـ/716-1031م). ثم أصبحت الأندلس مجرد ولاية تابعة للمغرب وعاصمته مراكش زمن "المرابطون" (479-541هـ/1086-1147م)، ثم زمن "الموجدون" (541-642هـ/1147-1244م) لتسقط بعدها جميع مناطق الأندلس بما فيها قرطبة واشبيلية، باستثناء رقعة صغيرة في جنوب شرق الأندلس، هي غرناطة، التي قاومت وحدها السقوط طيلة قرنين ونصف القرن، لتسقط بدورها يوم الاثنين أول ربيع الأول 897هـ/2 كانون الثاني 1492م، وتضيع معها الأندلس نهائياً، فخسر العرب المسلمون، أهم موقع استراتيجي وحضاري، يمثل البوابة الغربية لقارة أوروبا. وعلى الرغم من ذلك كله، فإن قراءة الماضي، يتطلب دفع المؤرخين لإعادة كتابة تاريخ الأندلس أو سائر المناطق التي كانت تمثل العالم العربي الإسلامي، ولا يضير اختلافهم بحثاً عن جوانبه المتعددة، بعد النقد والمقارنة التاريخية، لندرك تماماً أين أصاب الأجداد وأين أخطأوا، كيف تحولت معهم قرطبة عاصمة الخلافة الأموية في الأندلس أو بغداد عاصمة الخلافة العباسية، وقبلهما دمشق عاصمة الخلافة الأموية وبعدهما القاهرة عاصمة الخلافة الفاطمية، إلى منارات عالية سياسياً وعسكرياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً...