وصف الكتاب:
ينقسم تاريخ روما القديم إلى ثلاثة عصور تقليدية: العصر الملكي، ويشمل الفترة الأولى (منذ تأسيس المدينة، ويفترض له عرفاً عام 753ق.م)، حتى عام 509ق.م، حين يبدأ العصر الجمهوري نتيجة لثورة وطنية. وتستمر الجمهورية الرومانية نحواً من خمسة قرون، انتهت بسلسلة من الصراعات الحزبية والحروب الأهلية، حتى وضع أوكتافيوس لها حداً من عام 27ق.م. وذلك باستحداث نظام دستوري وسياسي جديد عرف بالنظام الرئاسي. ورغم أن أوكتافيان حافظ على هيكل النظام الجمهوري في جميع مظاهره من حيث استمرار الانتخابات لجميع مناصب الحكم، وبقاء المجالس التشريعية، إلا أنه اتخذ لنفسه منصباً جديداً خارج ذلك الهيكل الجمهوري، وهو منصب المواطن الأول، أو بعبارة أخرى "رئيس الدولة Princeps Civitatis" وبصفته "رئيساً"، اصطلح على تسمية النظام الجديد الذي أقامه أوكتافيان باسم النظام أو فترة الحكم الرئاسي (Pricipate). وفي واقع الأمر أصبح أوكتافيانوس، أو أغسطس Augustus، كما سيلقب فيما بعد، هو الحاكم الفعلي والمتصرف في جميع شؤون الدولة، فجمع في يديه كل سلطة سياسية وقضائية وعسكرية. ونظراً لأن سلطة القيادة العسكرية المطلقة، أصبحت أخطر صفة ملازمة لشخصية رئيس الدولة الجديد، فقد غلب على المؤرخين أن يطلقوا على العصر الذي بدأه أغسطس اسم الإمبراطورية الرومانية. وتبدأ الإمبراطورية على هذا الأساس مع تأسيس النظام الرئاسي الجديد عام 27ق.م على يدي أغسطس، ويستمر في الضرب حتى سقوط روما سنة 410 ميلادية. ورغم سقوط مدينة روما في القرن الخامس الميلادي أمام غزوات القبائل المتبربرة في الغرب، استمرت الإمبراطورية الرومانية في الشرق في مدينة القسطنطينية. ولكن سلطان القسطنطينية يتقلص عن معظم أملاكها في الشرق مع قيام الدولة العربية الإسلامية في القرن السابع الميلادي. أما القسطنطينية ذاتها وممتلكاتها الأخرى في آسيا الصغرى وشرق أوروبا فتستمر عدة قرون بعد ذلك فيما اصطلح على تسميته بالإمبراطورة البيزنطية، التي تسقط نهائياً في يدي محمد الفاتح سنة 1452 ميلادية. لكن الإمبراطورية الرومانية لم تبق محافظة على النظام الأغسطسي طيلة تاريخها القديم، ولكن طرأت عليها تعديلات جوهرية في النظم والدين عيرت من شخصيتها تغييراً بعيداً. ولذلك اتفق المؤرخون على تقسيم الإمبراطورية الرومانية إلى مرحلتين متميزتين. المرحلة الأولى تشمل القرون الثلاثة الأولى، أي من 27ق.م إلى 284 ميلادية. وهي بداية حكم الإمبراطور دقلديانوس الذي يعتبر مؤسس الفترة الثانية من الإمبراطورية. ولكن هناك من المؤرخين من يؤثر اعتبار عام 324 ميلادية، وهي بداية حكم الإمبراطور قسطنطين الذي أعلن المسيحية ديناً رسمياً للدولة؛ بداية أيضاً للفترة الثانية من الإمبراطورية، على أساس أن أهم ما يفرق بين الفترتين هو اختلاف الدين؛ ففي الفترة الأولى كانت الديانة الوثنية هي السائدة، وفي الفترة الثانية سادت المسيحية. وكما انقسمت الدولة إلى فترتين متميزتين من حيث أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية والإدارية والدينية؛ كذلك اختلفت مصادر كل من الفترتين، كما سيتضح من هذه الدراسة التي تمّ تقسيمها إلى موضوعين رئيسيين: الأول يتناول النظام الإمبراطوري كما أقامه أغسطس في روما، وأخضع له الإمبراطورية، والثاني دراسة تطبيقية على إحدى الولايات وهي مصر في العصر الروماني.