وصف الكتاب:
هذا بحث في القصة الفارسية اقتضاني من العمر عشر سنين قضيتها في الدرس والاستقصاء والجمع والتدوين واستخلاص النتائج من المقدمات، وتحقيق ما وقفت عليه مما انتهت إليه جهود غيري من هذا المجال. وقصرت بحثي هذا على القصة الفارسية ذات الطابع القومي المميز لها عن سواها، وضربت صفحاً عن التعرض للقصة المعاصرة في الأدب الفارسي لأنها-بحكم مقوماتها الفنية وأهدافها-قصة وافدة ذات طابع غربي لا يقوى على إخفائه تمويه، ولا يمكن القول بأنها فارسية لمجرد رسم خطوطها في البيئة الإيرانية إلا إذا جاز لنا أن نسمى أبنيتنا وأزياءنا الحديثة وسائر مرافقنا ومقومات حياتنا العصرية التي قبسناها من الغرب مصرية لخلقها بأيد مصرية ومن خامات مصرية وفي أرض مصرية. ولما كانت القصة فرعاً من الأدب العام، فقد مهدت للموضوع في الفصلين الأول والثاني بالحديث عن الأدب الفارسي في عمومه ومكان القصة من هذا الأدب لنستغني بذلك عند الخوض في حديث قصتنا عن كثير من الشرح والاستطراد. ورأيت-إبرازاً لقسمات ملامح القصة الفارسية-أن أقرنها بأختها الغربية فتحدثت في الفصل الثالث عن كلتيهما من حيث الشكل والموضوع والهدف والمقومات والعنصر السائد وطبيعة الشخصيات ومعين القاص وجهده الفني في كل منهما، وقد ارسى في هذا الفصل-على قصره-القواعد والأركان التي قام عليها بناء ما تلاه من فصول الكتاب. وفي ثنايا البحث في الملحمة الفارسية وغيرها من الآثار القصصية عرضت للروايات الأدبية المختلفة والآراء المتواترة التي يتناقلها اللاحق عن السابق في ثقة واطمئنان حتى غدت من المسلمات، فظهر لي أن أكثرها لا يثبت للتحقيق التاريخي، وتبين لي كذلك أم القضايا والأحكام المدونة في تأريخ الأدب الفارسي لا يمكن الركون إليها دون إعادة النظر فيها من جديد على ضوء التاريخ لتأييد ما صح منها وتكوين آراء جديدة فيها على هدى من الدراسة الموضوعية المجردة والمنهج العلمي القويم، أما الاستناد إلى التواتر كدليل على سلامة الأحكام فمنطق لا ترتضيه غير همم ضعيفة تؤثر الدعة والخمول على متعة البحث والتمحيص.