وصف الكتاب:
إن الحركة الوجدانية، شأنها في ذلك شأن كل حركة أدبية كبيرة تمثل مرحلة انتقال حضاري، ما كان يمكن أن تكون على هذا النحو من السلبية التي تفقدها مبرر وجودها ووظيفتها بوصفها عاملاً مهماً من عوامل التغيير، ومظهراً فنياً من مظاهر التعبير عن طبيعته. وكل حركة من هذا اللون لا بد أن تقوم على مبادئ إيجابية تمثل مقتضيات المرحلة التي استدعت نشأتها بعد أن أصبحت قيم الرحلة القديمة السابقة غير قادرة على البقاء وغير صالحة له. والحركة الوجدانية حركة إيجابية تقوم في جوهرها على فرحة الفرد باكتشاف ذاته بعد أن ظلت ضائعة مقهورة في ظل عهود طويلة من التخلف والجهل والظلم، وتقوم على اعتزاز هذا الفرد بثقافته الجديدة ووعيه الاجتماعي وحسّه المرهف وتطلعه إلى المثل الإنسانية العليا من حرية وكرامة وعدالة وعفة، وعشق للجمال والجمال ونفور من القبح والتخلف. وقد حملت هذه الحركة، من الناحية الفنية، عبء التجديد والخروج من أسر الأنماط الشعرية القديمة المكررة على مرّ العصور، وابتكار "صيغة" شعرية حديثة يمتزج فيها التراث بالعصرية، وتكتسب فيها الألفاظ دلالات حديثة وقدرة جديدة على الإيحاء كانت قد فقدتها في الصيغ النمطية التقليدية، وتقوم فيها الصور الشعرية على مفهوم فني حديث ينتفع بالنظريات الجديدة في الأدب والفن والموسيقى واللغة. ومن دوران التجربة حول الذات وانطلاق الصورة الفنية من الوجدان يتسم الشعر الوجداني بسمات فنية عرف بها، من ميل إلى الصور الخيالية والتجسيم والألفاظ الشعرية المحملة بدلالات شعورية غير مقيدة بمعان مادية محدودة. وحول هذا الموضوع تدور الدراسة في هذا الكتاب. هذا ولما كان الاتجاه الوجداني قد بدأ مع حركة الاحياء التي ردت إلى الشعر العربي ما كان قد فقده من لمسات وجدانية ذاتية، ثم نما مع حركات التجديد حتى ازدهر منذ العقد الثالث من هذا القرن حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، وبدأ بعد ذلك في التراجع أمام تيار الواقعية الجديد، من هنا قسم الباحث دراسته إلى أربع مراحل: الأولى حركة الاحياء وامتدادها العصري عند شوقي وحافظ ونظرائهما في الوطن العربي، والثانية حركة الريادة والتجديد، والثالثة فترة الازدهار والنضج، ثم المرحلة الرابعة عند جيل من الشباب وطائفة من الشعراء بدأوا بداية وجدانية وانتهى أغلبهم إلى اتجاه واقعي في "الشعر الحر".