وصف الكتاب:
الوصية سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أوصى أمته بكتاب الله عز وجل، ووصى إبراهيم قبله نبيه. وقد استفاض العمل بالوصية عن الأنبياء وعن الصحابة، وعن الخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم، وتبعهم بذلك العلماء خلفاً عن سلف. والوصية من تمام النصيحة لله ولرسوله وللمسلمين، ومن التواصي بالحق والصبر بين المؤمنين كما أخبر عنهم ربهم سبحانه وتعالى في كتابه الكريم. وقد أوجب الله عز وجل على العلماء ما لم يوجبه على عامة المؤمنين، منها: البيان لهذا الدين وتوعد الذين يكتمون الحق ولا يبينوه للناس بلعنة يلعنون بها إلى يوم الدين. وقد قام الشافعي رحمه الله بهذا الحق والواجب، فأبان الدين، ونصر السنة، وتصدى للمتكلمين، وكان قد ترك لنا من العلم النافع ما يشفي العليل، وينعش السقيم، ولو لم يترك لنا سوى كتابه المرسوم (بالرسالة) لكفى الشافعي قياماً بتركة سيد المرسلين، وتأتي هذه الوصية إسهاماً منه في النصح بعد الموت-لأن الوصية المقصودة هنا: التصرف بعد الموت-فسطر فيها عقيدته من رب العالمين، وللأنبياء والمرسلين، والقدر، وأمور الغيب، وما جرى بين المؤمنين من خلافات. فكانت رداً على الملحدين والمعطلين، وقمعاً لأفكار وعقائد الجبرية والقدرية الغالين، وتأكيداً على عقيدة أهل السنة والجماعة من الصحابة القاتلين والمقتولين، وأنهم جميعاً قد رضي عنهم رب العالمين مع كلمة بأنهم سيقتتلون مجتهدين ومأجورين. ثم ضم وصيّته بالحث على التزام السنة، والإجماع على الحق، والتحذير من الفرقة والابتداع في الدين. ثم أوصى بما يخصُّه عند الاحتضار، وذكَّرهم بما يخفى عنهم من تعاهد الشارب والأظفار، وبما يفيد أن تكون الجنازة على سنة خاتم المرسلين فكانت حقاً وصيّةً جامعة، ينتفع بها أهل العلم وطلابه المبتدئين، كيف لا وهي تقريظ من عالم جليل.