وصف الكتاب:
كانت الرحلة من الظواهر الرئيسة في حياة العصور الوسطى، وكانت دوافعها متعددة وغايات الرحالين مختلفة، وإذا ما تم إستعراض زيارات الأوروبيين لفلسطين خاصة وللشرق العربي عامة، يخرج الباحث لفهم لهذه البواعث والمقاصر. وإلى هذا فقد اختلفت بواعث السفر والتنقل ورغبات الناس بإختلاف الأزمنة والأحوال التاريخية، ويمكن عرض ذلك كما يلي: 1-من القرن الرابع إلى القرن العاشر، 2-في زمن الحروب الصليبية، 3-في القرنين الرابع عشر والخامس عشر، والذي يمكن الوقوف عليه وقبل كل شيء أن الحج كان الباحث الأول والرئيسي في الفترة الأولى، وأن كان ثمة باعث آخر فقد جاء عفواً، أو كان قليل الأثر في توجيه الرحلة. فقد كان المسيحيون يرون أن لزاماً عليهم، ولو لم تفرض ذلك المبادئ الدينية أن يزوروا البلاد التي عاش فيها المخلص، ويتبركوا بلمس ترابها ومشاهدة آثاره وآثار أصحابه، ومع أن الكنسية لم تهتم بالحج بادئ الأمر؛ إلا أنها لم تلبث أن قبلت بما قام به الناس وجعلته جزءاً أصلياً من أعمال التوبة، وسبيلاً لغفران الخطايا، وقد بقي الحج إلى فلسطين عاملاً رئيسياً في الرحلة إلى الشرق في الفترتين الأخريين. أما في فترة الحروب الصليبية، وحتى قبلها بقليل، فقد دخلت التجارة إلى جانب الحج في البواعث على الأسفار، هذا وإن العامل التجاري في التنقل والأسفار قوي كثيراً بعد خروج الصليبيين من سوريا، ونشط التجار في توطيد العلاقات مع سوريا وتجديدها مع مصر، وإن جميع الرحالة في القرنين الرابع عشر والخامس عشر يشيرون إلى البيوت التجارية والفنادق التي كانت للأوروبيين في الإسكندرية والقاهرة وعكا وبيروت ودمشق وغيرها. على أن الأوروبيين في الحروب الصليبية كان منهم من أتى إلى الشرق ليقيم ويستعمر، أما لأنه لم يجد في بلاده قوتاً أو رزقاً، أو لأنه أراد أن يتحرر في الرق السياسي والإقتصادي هناك، أو لأنه لم يجد في بلاده قوتاً أو رزقاً، أو لأنه أراد أن يتحرر من الرق السياسي والإقتصادي هناك، أو لأنه رغب في التخلص من خصومات سياسية، فحاول أن يجد مكاناً جيداً بعيداً عن هذه الأمور كلها. إلى جانب ذلك كانت الفروسية الأوروبية تحاملاً هاماً في شحذ الهمم للرحلة، بالإضافة إلى التبشير الذي كان أيضاً من عوامل السفر والرحيل الهامة، وفي القرنين الرابع عشر والخامس عشر برز نوع جديد من الرحالة هم السفراء السياسيون المعروفون والمتنكرون بزي الدجاج أو التجار، ومن هؤلاء من كان يقوم بمهمته بناء على طلب البابا أو أحد الملوك، ومنهم من كان يفعل ذلك بدافع شخصي لكنه يقدم ثمرة إختباراته إلى الرجال المسؤولين. وفي هذه الحالات كان الباعث التعرف على نواحي الضعف في الشرق العربي والوقوف على خير الطرق لإحتلاله والفضاء على سلطان أهله السياسي وضمنه إلى المجال الإقتصادي الأوروبي، من هنا تأتي أهمية هذا الكتاب الذي يتناول موضوع الرحلة والرحالين المسلمين والأوروبين في العصور الوسطى من كل جوانبها الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والثقافية في محاولة لرسم صورة هذا النشاط في القرون الوسطى والذي كان ترك أثراً بالغاً في العلاقات السياسية والمجالات الثقافية بين الشرق والغرب كما كان له بصماته على الحياة الإجتماعية والمعتقدات الدينية عند كلا الطرفين.