وصف الكتاب:
قد يتراءى للمتعجل أن الأبحاث المضمنة بين دفتي هذا الكتاب متناثرة لا ينظمها ناظم. ولكنه إن أعاد النظر كرة أخرى سيجدها متجانسة تشدها وحدة الزمان والمكان. فجميعها تتناول أحداثاً وتطورات وقعت خلال الربع الأول من القرن الميلادي المنصرم في حواضر المنطقة التي تلف رأس الخليج العربي. وكانت تلك الحواضر –وهي كذلك حتى اللحظة- تتفاعل فيما بينها تأثراً وتأثيراً. فأي حدث كبير يقع في بغداد تتردد أصداؤه في البصرة والمحمرة والكويت وحائل والرياض مجتمعة أو منفردة، بهذا القدر أو ذاك حسب طبيعة الحدث ومدى ارتباطه بمصالح هذه الحاضرة أو تلك. وسيلحظ القارئ الكريم تلك الوشيجة القوية مائلة أمام عينيه وهما تتصفحان هذا البحث أو ذاك من مباحث هذا الكتاب. ولعل سائلاً يسأل عن سر حصر هذه الأبحاث ضمن ذلك الإطار الزماني والمكاني المحدد. والجواب كانت قي حقيقة اتصاف المنطقة المعنية خلال المدة المذكورة بحيوية كبيرة جعلت أحداثها تتتابع وتطوراتها تتعاقب بشكل سريع. ولم يك ذلك التتابع وليد صدفة محضة، بل كان نتاج عوامل موضوعية أبرزها تململ قطاع كبير من السكان رفضاً لواقع سائد وتطلعاً لما هو أفضل. وقد سببت ذلك التململ وحثت ذلك التطلع تطورات اقتصادية واجتماعية عديدة. وسرع في تأجيج الشعور العام بروز قيادات محلية نشطة تفاعلت مع ذلك الواقع الموضوعي فأغنته واغتنت به. ومما زاد حيوية أحداث المنطقة تداخل البعدين المحلي والدولي فيها، حيث تركزت أنظار الدول الكبرى حينئذ على هذه المنطقة لما لها من أهمية استراتيجية ولما تمتلكه من موارد وفيرة متحققة أو منتظرة. ويمكن القول دون مبالغة إن أحداث هذه المنطقة خلال تلك المدى لا زالت آثارها حية تمثل جذوراً لكثير من التطورات المصيرية التي نعيشها ونعايشها حتى هذه اللحظة. ولا بد في ختام هذه العجالة من بيان أن هذه البحوث سبق نشرها في مجلات علمية متخصصة على امتداد ربع قرن استنفد من رصيد أيامي. وقد حرص على إبقائها كما هي دون لمسها بتشذيب أو تهذيب أو إضافة. وسيلحظ القارئ دون شك اختلافاً في مستوى التناول بينها حسب موقعها من تعاقب الزمن الذي ينضج بقدر ما يأخذ.