وصف الكتاب:
جاء المستر أيتش. سنت جون فيلبي، لأول مرة إلى العراق في تشرين الثاني 1915 عندما كانت الحملة البريطانية التي احتلت البصرة تتقدم شمالاً في طريقها إلى احتلال بغداد، وكان وصوله يوم 20 تشرين الثاني عندما كان الجنرال طاونزند ينتظر بالقرب من "طاق كسرى" اندحاره الشنيع، على يد خليل باشا والي بغداد وقائد الجيش التركي في تلك الجبهة، وتراجعه السريع إلى الكوت التي تحاصر فيها مع جيشه مدة تقارب الخمسة أشهر. وقد عين في الشعبة المالية (في البصرة) التي أسهها كوكس في "الدائرة السياسية" بعنوان "مساعد مالي لرئيس الحكام السياسيين". فاشتغل في تأسيس الدائرة المالية ووضعها على الأسس التي سارت عليها مدة من الزمن بعد ذلك. وفي هذه الدائرة اتصل لأول مرة بالكولونيل ويلسن، الذي أصبح بعد ذلك وكيل الحاكم الملكي العام، وهناك وقع اختلاف بينهما فكان ذلك أساساً للاختلافات الكثيرة التي وقعت بعد ذلك فأدت إلى أن يترك المستر فيلبي العراق مدة من الزمن ليعود إليه في الوقت الذي نحي فيه ويلسن عن العراق، بعد الثورة العراقية، وعاد إليه السير كوكس لتشكيل الحكومة الموقتة وتأسيس كيان الدولة العراقية الحالي. كما تعرف في أواخر أيامه في البصرة بالمس بيل التي كانت قد وصلت للاشتغال في دائرة الاستخبارات بمعية كامبيل-كومسن ثم انتقلت إلى الدائرة السياسية بعد ذلك. وكان مجيئها من مصر حيث كانت تشتغل في معية غلبرت كلايتون والدكتور دي.جي. هوغارث في شعبة الاستخبارات التي أصبحت تسمة أخيراً "المكتب العربي". وبعد مدة من الزمن وقعت خلالها حوادث كثيرة أهمها استسلام طاونزند في الكويت وتعيين الجنرال مود قائداً عاماً للجيوش الجديدة. بعد هذا كله اضطر المستر دوبس أن يتخلى عن وظيفته كمعتمد للواردات فعين فيلبي في مكانه. وبعد تطورات أخرى في الوضع العسكري وفي وضع الإدارة المدنيةخيره السير بيرسي كوكس بين أن يعين "وكيلاً سياسياً" في الكويت أو "حاكماً سياسياً" في العمارة فاختار الحاكمية السياسية في العمارة من غير تحمس. وقد مل الاشتغال في العمارة بعد أن قضى فيها مدة تقارب السنة احتلت خلالها بغداد وانتقل كوكس مع إدارته المدنية إليها. فطلب الانتقال إلى أية وظيفة في بغداد، فعرض عليه الاشتغال بإصدار جريدة "العرب" التي كانت الإدارة المدنية تزمع إصدارها. فوافق على ذلك. إلا أنه وجد، بعد وصوله بغداد أن دائرة السر بيرسي كوكس التي كانت تشغل سكرتاريتها المس غيرترود بيل تنوء بأشغالها الكثيرة المتراكمة، فصرف النظر عن اشتغاله بإصدار جريدة "العرب" وألحق بالدائرة السياسية حيث اشتغل مع المس بيل في تنظيم شؤون الدائرة، وقد اصطدم خلال اشتغاله هذا بالكولونيل ليجمن الحاكم السياسي المعروف الذي قتله الشيخ ضاري في خان النقطة. وقد اصطدمت بليجمن المس بيل التي كانت تكرهه وكان سبب ذلك استهجام فيلبي والمس بيل للخظة التي عرضها ليجمن على كوكس في القبض على محمد علي كمونه وفخري كمونه في كربلا اللذين تثب للسلطات البريطانية يومذاك إيصالهما الطعام والأرزاق للجيش التركي. وفي خلال اشتغاله هنا عادت فكرة إصدار جريدة "العرب" بالنظر للحاجة التي أظهرت نفسها للدعاية. فأصبح فيلبي رئيساً للتحرير فيها بافضافة إلى وظيفته الأصلية، كما دبر الإتيان بالأب انستاس ماري الكرملي لتمشيتها كمساعد رئيس تحرير. وكان الخلاف، في الوقت نفسه، يزداد استحكاماً بين المستر فيلبي "المعتمد الأمين" لكوكس في بغداد، والكولونيل ويلس وكيل رئيس الحكام السياسيين في البصرة.وكان سبب ذلك اختلاف الاثنين في الشخصية والراي السياسي. حيث كان ويلسن يحمل أفكاراً وآراء استعمارية مزوقة ترمي إلى جعل العراق تابعاً هندياً ودرة من درر التاج البريطاني، لكن توقفت خططه لأن فيلبي كان إلى جانب كوكس مع المس بيل في بغداد يشير أن عليه بما لا يتفق وآراء ويلسن. حتى طفح الكيل ووصل الخلاف إلى ذروته فحضر الكولونيل ويلسن إلى بغداد وتمكن من إقناع كوكس بنتحية فيلبي وإحلاله (ويلسن) في محله ببغداد. وعندئذ طلب المستر فيلبي أن يرسل على رأس الوفد الذي تقرر إرساله إلى ابن سعود في الرياض. فوافق كوكس على ذلك وأجريت الترتيبات اللازمة لسفره، فتم ذلك وكان هذا أول اتصال له بابن سعود. حيث بقي في الجزيرة العربية مدة تقارب السنة عاد بعدها إلى بغداد. وبذلك يبدأ البحث الوارد في هذا الكتيب. والكتيب هذا هو فصل خاص كتبه المستر فيلبي في كتابه الذي أصدره عام 1948 بعنوان "Arabian Days. ويلاحظ مما كتبه فيلبي في هذا الكتيب وغيره أنه رجل يكاد يكون شاذاً في سلوكه معتداً بآرائه، وأنه كان يميل إلى جعل نظام الحكم في العراق نظاماً جمهورياً يكون على رأسه السيد طالب باشا النقيب الذي كان يميل إليه ميلاً خاصاً.