وصف الكتاب:
إن لأوروبا علاقة قديمة مع العالم العربي تختلط فيها مشاعر الحب والكراهية، فقد انجذب الرحالة الأوروبيون إلى العالم العربي مفتونين بـ"سحر جزيرة العرب" والذي أثر على خيالهم لأمد طويل. ومردّ هذا النهج المتناقض أن العالم العربي هو مهد الكتاب المقدس وفي الوقت نفسه، هو مهد لدين الإسلام الذي ينازع المسيحية والذي هدّد حدود العالم المسيحي قديماً. ونظراً لمعرفتهم الواهية بأرض العرب وسكانها وأخلاقهم وعاداتهم، ظل العالم العربي لغزاً للكتاب الأوروبيين، ولذا ففي رسمهم صورة للعالم العربي نزع هؤلاء الكتاب دون وعي لوصف أرض من صنع خيالهم. ومع اتساع الإمبراطورية البريطانية، وتعاظم قوتها البحرية، لم تعد معرفة جزيرة العرب نوعاً من الترف؛ بل أصبحت ضرورة ملحة. وكان لهذا التحول في المشهد العالمي مغزىً كبيراً، حيث أضاف بعداً جديداً على العلاقات البريطانية العربية، ومن ثم اضطر الرحالة البريطانيون للجزيرة العربية أن ينظروا إلى الأرض العربية كأرض حضارة عتيقة ما ترك الدهل عليها أثراً والتي لا زال يسكنها عرق "أقل تطوراً" و"أدنى تحضراً" يعوزه التنوير والتحضر. وفي ظل هذا المفهوم لدور الرجل الأبيض، نما اعتقاد آخر يرى أن الغرب يعرف عن الشرق أكثر مما يعرفه أهل الشرق عن أنفسهم حيث اعتبر العلماء الغربيون أنفسهم حاملي سراج المعرفة والتحضر دون منازع، فكثيراً ما استشهد الرحالة الاوروبيون بروايات بعضهم البعض لتعزيز آرائهم وإلباسها ثوب الموضوعية والصحة، فلم يكن معظم الرحالة البريطانيون إلى الجزيرة العربية في القرن التاسع عشر وصدر القرن العشرين، من أمثال "بيرتون" و"بلجريف" و"داوتى" و"لورانس" و"فيليبي" الذين يتناولهم المؤلف بالدراسة في هذا الكتاب، لم يكن معظم هؤلاء أدباء عظماء فحسب، بل كانوا (عدا دوتي) عملاء للحكومة البريطانية، ورغم ما امتاز به وصف رحلاتهم شكلاً واسلوباً، إلا أن رؤيتهم للعالم العربي قد شكلتها اعتبارات سياسية (ليس لها أدنى صلة بالحقائق الواقعية، حيث أن المعرفة الحقة لا علاقة لها بالسياسة كما يقرر المفكر إدوارد سعيد)، معدّلة جزئياً تبعاً لمزاجهم الشخصي. من هنا يمكن القول بأن هذه الدراس إنما تهدف إلى دراسة أدب الرحلات الإنكليزي عن الجزيرة العربية ومضامينه من خلال نماذج معينة وليست كتابة تاريخ عن استكشاف هذه الجزيرة، لذا عمد الكاتب إلى اختيار ست قصص تتوافق وهذا التعريف، وذلك من التراث الوفير لأدب الرحلات حول الجزيرة العربية على مدى المئة عام الأخيرة. وقد حاول المؤلف إبراز أنه بالرغم من أن كل من الرحالة الذين كانت نصوصهم موضوع الدراسة، قد تبنى رؤية خاصة لدى سفره إلى الجزيرة العربيةن رؤية غاية في الشخصية والفردية، إلا أنه أبرز أن هناك الكثير من أوجه الشبه بين كتاباتهم عن العالم العربي، وفي تشكيل رؤياتهم تلك، استعان كلٍّ منهم كثيراً بسابق معرفتهم بالأرض وبأهلها وبعاداتهم وتقاليدهم، بالإضافة إلى استعانتهم ببعض المصادر التي حاول المؤلف إلقاء الضوء عليها، من خلال إلقائه الضوء على بعض العوامل الأخرى المسؤولة عن تشكيل الرؤية الخاصة بالعالم العربي "المختلق" في النصوص محل الدراسة.