وصف الكتاب:
أثبتت التجربة أن الشعر بقدر ما يفرضه من التزامات تخصه يظل قابلاً لأن يعدل في شكله، أو يخرج من شكل إلى شكل آخر مغاير، وأنه اصطنع لذلك على مر الزمن أشكالاً لا حصر لها، ربما استنكرها الناس أو استنكروا بعضها في أول الأمر ثم عادوا بعد ذلك فتقبلوها. وهكذا صار الشعر يتجلى في كل حقبة من الزمن، وفي كل بيئة اجتماعية في الشكل الذي تتقبله والذي تعتقد أنه محقق لشعرية الشعر، دون أن تنفي أو تؤكد قابلية الأشكال الأخرى لتحقيق هذه الشعرية. ولأن الشعر –أو لنقل على وجه الدقة المنجز الشعري- نتاج فردي وإن كان موجهاً –ككل الفن- إلى جماعة، كان من الطبيعي أن يتشكل الشعر على يد كل شاعر على نحو يختلف فيه قليلاً أو كثيراً عن إنجاز غيره من الشعراء. هكذا يجمع الشعر بين الواحدية والتعددية: واحدية الجوهر وتعددية الأشكال، واحدية الشعر وتعددية الشعراء. وهذا الكتاب الذي أقدمه اليوم إلى القراء ينطلق من هذه الحقيقة ويؤكدها في الوقت نفسه. فالفصول التي تلتئم فيه يتعلق كل منها بالمنجز الشعري لأحد الشعراء أو لبعض هذا المنجز. وهي فصول سبق نشر بعضها مفرقاً في مجلات أدبية أو كتب وبعضها لم يسبق نشره. والمؤكد أن المدخل إلى كل شاعر أو إلى شعره قد اختلف من فصل إلى آخر، لاختلاف الشكل الذي اختارت الشعرية أن تعلن عن نفسها من خلاله. ومن ثم كانت معالجة كل حالة وفقاً لما يتجلى لي من خصوصية كل شكل على حدة، دون أن تكون المعالجة نفسها مجرد معالجة شكلية، فالهدف أولاً وأخيراً من هذا كله هو اقتناص الخبرة وإذا استطاعت هذه الفصول أن تحقق شيئاً من هذه الخبرة للقارئ فإنها تكون قد نجحت في تحقيق غايتها.