وصف الكتاب:
إن تاريخنا هو صفحات رائعة من الإشراق الإنساني العظيم تشرفنا كمسلمين وكعرب، كما تضيف شرفاً إلى تاريخ الإنسان. وقد صنع هذا التاريخ عظماء لنا فيهم وفي حياتهم معين لا ينضب من الخبرة والعبرة والإيمان والأمل، فهم القمم التي نتطلع بشوق ولهفة إليها. وهذا الكتاب هو مكرس لحياة عظيم من عظماء البشرية، أنبتته أرض عربية، ولكنها ما استأثرت بهن وفجّر ينابيع مواهبه الإسلام، وكان لحياته الفذّة أن تلهب روح كاتب مسيحي في لبنان، وفي العام 1956، فيتصدى لها بالدرس والتمحيص والتحليل، ويتغنى تقني الشاعر المتيم بمفاتنها ومآثرها وبطولاتها. وبطولات الإمام ما اقتصرت يوماً على ميادين الحرب، فقد كان بطلاً في صفاء بصرته، وطهارة وجدانه، وسحر بيانه، وعمق إنسانيته، وحرارة إيمانه، وسموّ دعته، ونصرته للمحروم والمظلوم من الحارم والظالم، وتعبده للحق أينما تجلّى الحق. وهذه البطولات، ومهما تقادم بها العهد، لا تزال مقلعاً غنياً نعود إليه اليوم وفي كل يوم كلما اشتد بنا الوجد إلى بناء حياة صالحة، فاضلة. إنه يستحيل على أي مؤرخ أو كاتب، مهما بلغ من الفطنة والعبقرية، أن يأتيك حتى في ألف صفحة بصورة كاملة لعظيم من عيار الإمام علي، ولحقبة حافلة بالأحداث الجسام كالحقبة التي عاشها. فالذي فكّره وتأمله، وقاله وعمله ذلك العملاق العربي المسلم بينه وبين نفسه وربما لِممّا لم تسمعه أذن ولم تبصره عين. وهو أكثر بكثير مما عمله بيده أو أذاعه بلسانه وقلمه. وإذ ذاك فكل صورة نرسمها له هي صورة ناقصة لا محالة، وقصارى ما نرجوه منها أن تنبض بالحياة. إلا أن العبرة في كتاب من هذا النوع هي في تفحص ما اتصل بنا من أعمال علي وأقواله، ثم في تفهمه تفهماً دقيقاً، عميقاً. ثم في عرضه عرضاً تبرز منه صورة الرجل كما تخيله المؤلف وكما يشاء أن تتخيله، واليقين أن جورج جرداق، مؤلف هذا السفر النفيس، ربما في قلمه من لياقة، وما في قلبه من حرارة، وما في وجدانه من إنصاف، قد نجح إلى حد بعيد في رسم صورة لابن أبي طالب لا تستطيع أمامها إلا أن تشهد بأنها الصورة الحية لأعظم رجل عربي بعد النبي صلى الله عليه وسلم. إذن فهذا هو النص الكامل لهذا السفر الذي أعدّه الأديب الكبير جورج جرداق عن الإمام علي بن أبي طالب. وحيث أن الكتاب الذي صدر منذ حين وحدث ضجة كبرى إذ تلقته الملايين من القراء بالإعجاب والإكبار، وترجم إلى اللغات الفارسية والهندية والإنكليزية، ونقول، وبسبب ذلك كله دفع المؤلف بهذه الدراسة الموسوعية بكاملها للنشر. وهنا لا بد من إثبات فصولها جميعاً بالترتيب الذي وضعه لها أصلاً قصد التدرج المنطقي بالبحث، مما اقتضى بالضرورة أن يبدأ الجزء الأول من هذا السفر ببعض الفصول التي نشرت في الكتاب التمهيدي السابق ولا سيما الفصول الأولى التي تعتبر إطاراً تاريخياً لا بد من الاستهلال به كي لا يبتر شيء من فصول هذه الموسوعة. أضف إلى ذلك أن هذه الفصول ذاتها منقحة وموسعة ومضاف إليها كثير من البحث والرأي الجديدين، مما يوجب إثباتها، وبعد ذلك تبدأ في هذا الجزء بالذات، الأبحاث الجديدة التي تنشر لأول مرة وتستمر حتى آخر أجزاء هذا السفر. أما ما يحتويه هذا السفر من الأبحاث الجديدة في أدب الدراسات العلوية، فقد أشار إليه المؤلف في مقدمته الراثية، ومنها الأبحاث القيمة التي تستهدف الكشف عن تماسك شخصية الإمام علي. والمقابلة الممتعة بين الإمام علي وسقراط عظيم فلاسفة اليونان، في فلسفة الأخلاق وما إليها. ثم ما يمثله عليّ من أسباب العدالة الكونية الشاملة القائمة بذاتها. وتتبع معنى (الإنسان) في إنسانيات العصور جملة تمهيداً لتجلية هذا المعنى عند أبي طالب، ولمقابلة بين علي ومفكري العصور في أكثر من جانب إبرازاً لمكانة هذا البطل العظيم العربي المسلم بين أولئك الأبطال، ثم ذلك البحث الخلاق الذي يضع المبادئ العلوية موضع المقابلة مع مبادئ الثورة الفرنسية الكبرى بنصوصها الكاملة، وهو من أعمق وأدق الأبحاث التي عالجها أديب عربي حتى الآن. تليه أبحاث واسعة في موضوع الإمام علي والقومية العربية. من هذه الدراسات الجديدة أيضاً بسط أحوال الناس بكل طوائفهم في عصر الإمام علي وفي ما تلاه من عصور بسطاً مبنياً على نظر جديد في دراسة تاريخنا، ثم أتى الإمام علي في تاريخ الأدب العربي وفي توجيه الروح العربي. تلى ذلك أبحاث واسعة في معنى التشيع في تاريخ الشرق والرد على المؤلفين الذين بحثوا هذا الموضوع بأسلوب تقليدي متوارث لم يُجلّ حقيقة. ومنها تلك الفصول التي ينتقد بها المؤلف أسالب الباحثين العرب والأجانب عندما يعالجون القضايا الهامة في أحداث التاريخ العربي ويفسرون أخباره. ثم استعراض لجميع المؤلفات التي وضعت عن علي في لغة العرب ولغات الأجانب.