وصف الكتاب:
إن شخصية الكردي ومميزاته الحضارية ما تزال غامضة المعالم في أذهان الكثيرين منا نحن العرب، حتى الذين أصابوا قسطاً طيباً من الثقافة. وهذا وضع مؤسف في بلد يبلغ فيه الأكراد خمس السكان على الأقل. هذا وقد أهمل الدارسون عموماً موضوع الأكراد فلم تصدر عنهم سوى دراسات علمية قليلة جداً. وزعم بعض الدارسين أن العنصر الكردي جزء من العنصر التركي، وأكد آخرون أنه جزء من العنصر الإيراني، بل وذهب البعض إلى القول إنه جزء من العنصر العربي، هذا بالرغم أن لغتهم الهندية - الأوروبية ذات مميزات أصيلة. وقد وصفت لغتهم أيضاً بأنها فرع من اللغة الفارسية، كما وصفها آخرون بأنها لغة تركية مشوهة، مع أنها لغة كردية مستقلة المعالم. أما أخلاقهم وعاداتهم فقد تعرضت لتشويه بالغ على يد كتاب متميزين ورحالة يلعب الخيال بأقلامهم. ودأبت طائفة من أولئك الرحالة على اختلاف قصص وحكايات تدفعهم بالقسوة والوحشية. وقد أصبح اسم الأكراد أمثال أولئك الرحالة والكتاب مرادفاً للعنف والقسوة والوحشية. والواقع أن بواعث أولئك الكتاب على الأكراد لا يعزى إلى جهلهم فحسب؛ بل إلى دوافع أخرى سياسية ودينية. ولقد كان العالم الغربي يجهل الأكراد جهلاً تاماً حتى القرن التاسع عشر؛ ثم أصبح اسمهم مقترناً في أذهان الغربيين بالوحشية والقسوة منذ قاد الأمير بدرخان حملاته ضد المسيحيين في الثلاثينات من ذاك القرن، واشتدت الدعاية الغربية ضدهم فيما بعد بسبب اصطدامهم المتكرر بالأرض والآشوريين، وصورتهم الدعاية المغرضة بأنهم مسلمون متعصبون يتلذذون بتعذيب المسيحية، وقد حاول قلة من الكتاب أن يستجلوا الحقائق وراء تلك الاصطدامات فتكشف لهم أن مبعثها لا يرجع إلى تعصب الأكراد الديني وإلى تعطشهم للدماء؛ بل إلى الصراع السياسي بين الحكومة العثمانية وحكومات الدولة الغربية. فكانت الحكومة العثمانية تسخر الأكراد دوماً لتحقيق أغراضها. من هذا المنطلق برزت فكرة هذا الكتاب الذي سعى المؤلف من خلاله إلى تقديم دراسة حول الأكراد مساهمة منه بتسليط الأضواء على مختلف جوانب تراثهم وحياتهم الاقتصادية والاجتماعية، مختاراً لذلك لواء السليمانية قاعدة لدراسته. ولواء السليمانية هذا واحد من أربعة عشر قسماً إدارياً ينقسم إليها العراق، وتبلغ مساحته 9552 كم2، كما يبلغ عدد سكانه 226.600 نسمة. ولد بدا للباحث بأن دراسة أكراد لواء السليمانية يمكن أن تتم على أفضل الوجوه باتباعه منهج الجغرافية الاجتماعية، وهذا الميدان الفسيح لا بد وأن يعتمد بالضرورة على أبحاث خارج ميدان الجغرافيا كعلم الأنثروبولوجيا والاجتماع والاقتصاد والتاريخ مما يسبغ على الموضوع فوائد أكثر شمولاً. وقد اقتضى تطبيق هذا المنهج توزيع الاهتمام بين العامل البشري والعامل الطبيعي فكلاهما ذو أهمية حاسمة. فالعامل الجغرافي بعناصره الطبيعية على الإنسان، بينما يذكر العامل البشري بمقدار الحرية المكفولة للإنسان في استجابته لمتطلبات البيئة الطبيعية وفي تعديلاته لآثارها. وقد التزم الباحث بمنهج المدرسة المعتدلة التي لا تبالغ في تأثير العامل الطبيعي (عامل البيئة) ولا تنتقص من أهمية الإنسان، وطبق هذا المنهج في موازنة العوامل الطبيعية والعوامل البشرية التي أثرت في خلق وتوزيع الأنماط الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للمجتمعات الكردية إلى جانب ذلك اقتضت هذه الدراسة اتباع وسيلتين: الأولى عملية تستند إلى دراسة ميدانية، والثانية نظرية تتمثل في استشارة الباحث المراجع اللازمة.