وصف الكتاب:
خلعت خاتم الزواج ونظرت طويلًا في الاسم المحفور، تداعى إلى ذهنها اللحظات الأولى. مسكونة هي دومًا بالبدايات... أول نظرة وأول همسة، أول هدية، هذا السحر الذي يتملكها وتسلم له كل حواسها، كفراشة تطير نحو اللهب المتراقص. تذكرت كيف تقابلا في صالون خالتها، بعد أن رتبت مع أمها لهذا اللقاء كأنما تعد خطة حربية مُحكمة، وتذكرت كيف كانت تتسمع لهمسات أمها في الهاتف مع قريباتها ودعائها بأن يجعله من نصيبها. انسلت من بين شفتيها ابتسامة، عندما تذكرت كيف أصرت على أن تذهب لزيارة خالتها بملابس العمل، وأن ترتدي حذاءها الرياضي، ستكمل هذه التمثيلية على طريقتها هي. تململت في جلستها وهي تتذكر كيف بدا باهر متعجرفًا في اللقاء الأول، يحكي باستفاضة عن رحلاته من واقع عمله في وزارة الخارجية، وعيناه تتسللان إلى وجهها ينشب أظافر نظراته في جسدها كأنما يفرزها ويكتب تقريره المفصل، بينما يواصل الحديث بتلقائية مع مَن حوله. رغم وصولها للثلاثين، فهي لا تضع المساحيق لأن بشرتها الخمرية لا تحتاج إلى أن تتخفى تحت طبقات من الألوان الاصطناعية, عيناها شلالان من العسل الأسود، شعرها المعقود كذيل حصان عربي أصيل إلى آخر ظهرها إلا من خصلات هاربة تتسلل إلى وجهها فتعيد ترتيبها دومًا خلف أذنها، وجسدها الممشوق الذي يمثل شخصيتها الذكية المتألقة، جريمة جمال مكتملة الأركان. وبقدر ما كانت حلمًا للشباب من حولها إلا أن رزانتها ومركز والدها؛ وكيل وزارة الإسكان، حدَّ من عدد من تجرأوا أصلًا للتقدم للارتباط بها. تتذكر كيف احتضنتها ابنة خالتها بعد رحيله، وهي تقفز في الهواء: "كم أغبطك يا سهر! ستطوفين العالم كله معه". وكأنما جاء باهر من عالم مسحور ليأخذها على بساطه السحري. تلقفت أمها الخيط: عسى أن يجعله الله من نصيبك يا ابنتي. ولأول مرة كان عليها هي أن تنتظر رأي العريس. إذا كان عليها أن تؤرخ لأوائل الذكريات، فهذه الذكرى كانت ذكرى أول استفزاز.