وصف الكتاب:
مثّل قدوم الإسلام قطيعة معرفيّة كبرى في الفكر العربيّ، فكان أهم نتائجه على الصعيد الإنساني تكوُّن الفرديّة الإنسانيّة، وتحرير الإنسان من مشاعية القبيلة، وسيادة الوعي الجمعي من أجل زرع الإرادة الإنسانية الحرّة وإطلاقها من قيود القبيلة وشريعتها، إلى جانب هذا وضع الإسلام الإنسان أمام خيارات متاحة، تكفل له حريّته داخل حدود التزامه ومسؤوليته في الاختيار. وبفضل تمجيد الإسلام للعقل فقد دعا الإنسان إلى إعمال فكره في المعرفة الكونية، انطلاقا من فعل القراءة في النص القرآني المؤسس، صعودا إلى النزاع على المعنى المقدس في القرآن الكريم وتشكّله الذي أفضى بدوره إلى تكوّن خطابات داخلية متباينة في اتجاهاتها التأويلية بهدف تفسير الخطاب ذاته. وفي هذه النقطة تحديدا نرى المشهد النقديّ بدأ يكوّن شكلا متحدا يحدّد مسيرة الفكر النقدي بين مركزين جوهريين في الفكر العربي هما: المقدس الديني (القرآن الكريم) وميراث آخر دنيوي اقترن بما قبل الإسلام، وتجسّد بملفوظات اللغة وبتشكيلاتها التلفظيّة أي (مؤسسة الشعر)، فأفضى ذلك التحول المعرفي إلى "حضارة النص" التي يكون للكلام فيها أثر سحريّ، ونشهد أن أوائل التجلّيات الملموسة للوحدة العربية لا يمكن البحث عنها لا في دولة ولا شكل حكومة، وإنما في مؤسسة لها شكل (شعريّ). وهنا نقف أمام هيمنة اللغة وسلطة الكلمة التي تحيط بنا، وتسكن كليّتنا ومعرفتنا عن العالم، وبكلّ ممارسة اجتماعيّة للأفراد، فتقتحم اللغة ميدان المجتمعيّ والسياسيّ والثقافيّ لتمارس وظائف سلطوية متعددة، مشكّلة شبكة من علاقات القوة الخفيّة التي لا يشعر بها الأفراد، ويبدأ الخطاب بممارسة سلّطته المشروعة بدءا من أسفل القاعدة إلى رأس الهرم.