وصف الكتاب:
يحمل الكتاب هذا الاسم فهو الغاية والأساس، وإن كان الباحث بدقته ورؤيته الشمولية يعود حيناً إلى الماضي البعيد، ويعود حيناً إلى تجربة الأمم المتحدة التي عايشها بنفسه مدة طويلة من الزمن، ورأى من الداخل حقيقة ما يجري في مطابخ الأمم المتحدة التي ينظر إليها الكثيرون على أنها ضامن للأمن والسلم العالميين، وهي في جوهرها، وليس في البنية الظاهرة لا تختلف كثيراً عن عصبة الأمم، فالقارئ الحصيف يربط بأن ما كان وليد الحرب العالمية الأولى من أجل علاقات دولية متعددة الأطراف، للأطراف الفاعلة، هو نفسه ما كان بثوب آخر واسم جديد بعد الحرب العالمية الثانية، وما كان لمصلحة الدول الفاعلة والمنتصرة والقوية في عصبة الأمم بقي كذلك في منظمة الأمم المتحدة، وإن أخذت التشاركية الاسمية ميداناً جديداً في المنظمة التي تدافع عن كينونتها، وربما أرى أن هذا الدفاع سعياً للبقاء في ظل البحث عن منظومة جديدة للعلاقات الدولية، ربما..! يقدم الدكتور الجعفري عن سورية وعصبة الأمم دراسة وافية، فسورية لم تكن عضواً مشاركاً على عكس الأمم المتحدة، لكن وفدها ذهب للمشاركة ولم يتم استقباله، وعصبة الأمم المتحدة التي تبنت رأي المحامي الهولندي في النظام الدولي القديم لم تجد ضيراً في الحرب والعدوان والاحتلال وهذا ما كان من شأنها مع سورية، والمؤلف يثبت على غلاف الكتاب صورة نادرة للتاريخ يظهر فيها الوفد السوري برئاسة الأمير فيصل الذي ذهب للتباحث مع المنتصرين، لكنه لم يتم استقباله كما يجب، ولم يستمع لرأيه، وكانت عصبة الأمم هي الوسيلة الجديدة لتكريس الاحتلال والانتداب على سورية، يذكر المؤلف ذلك، ويستشهد بكلمة لرئيس الجمهورية آنذاك شكري القوتلي ما يعزز دور عصبة الأمم في الاعتداء على حريات الشعوب، وسلبها قدرتها وحريتها من أجل بناء منظومة جديدة للعلاقات الدولية متعددة الأطراف، كانت يومها (عصبة الأمم) «لقد كتب الكثير عن تاريخ سورية السياسي والدبلوماسي منذ انهيار الدولة العثمانية وحتى يومنا هذا، وكان جلّ ما كتب ونشر ينطق بلسان حال العموميات ذات الصلة بهذا التاريخ.. ففي عصبة الأمم كانت سورية مسلوبة الإرادة والسيادة والاستقلال على الرغم من حضورها مؤتمر فرساي بشخص الأمير فيصل والوفد المرافق له، وفي عداد المهزومين في الحرب العالمية الأولى باعتبار أنها كانت جزءاً من الدولة العثمانية، وبعد ذلك جرى تقاسم أراضيها، وهي تحت الاحتلال العسكري الفرنسي مع تركيا بموجب اتفاقية سيفر 1920، ثم وفقاً لاتفاقية فرانكلين- بويلون المعروفة باسم معاهدة أنقرة الأولى، ونستذكر ما قاله رئيس الجمهورية السوري الأول شكري القوتلي في خطاب عام 1946: لقد كنا أيام الانتداب البغيض نرسل الصيحات تلو الصيحات، ونجأر بالشكاوى الصارخات، ونبرق بعديد من البرقيات إلى مجلس عصبة الأمم في جنيف، فلا نجد ثم سميعاً، ولا نجد ثمّ مجيباً. ولكن ثمّ مستعمر يتكلم باسمنا، ويفتري علينا، ويعمل جاهداً لتأييد انتدابه وتخليد استعباده، فغدونا اليوم والحمد لله حكماً بين الأمم، وقضاة في محكمة الدول..». في هذا الجزء المقبوس من الكتاب لكلام د. الجعفري المتضمن خطاب الرئيس شكري القوتلي ندرك عمق البنية التي أسست عليها عصبة الأمم، والتي كانت تعتمد القوة والدفاع عن الحرب والاحتلال: ولا تفوتني الإشادة بتواضع المؤلف حين لم ينل من الدراسات السابقة واكتفى بوصفها بالعمومية. أخيراً الكتاب يغصّ بالحقائق والوثائق، والحواشي والإحالات فيه تعادل متن الكتاب، وذلك ليس إرهاقاً له وللقارئ، ولكن ليكون كتاباً متخصصاً بعيداً عن العمومية والإنشاء، وهو كتاب لازم ولصيق بكل باحث جاد في تاريخ سورية والسياسة والدبلوماسية، ولا غنى عنه، وأزعم أنه الأول في بابه بهذه العلمية والموسوعية والوثوقية والتوثيق، وبانتظار كتب أخرى تتناول سيرة سورية الأممية في منظمة الأمم المتحدة التي كانت نظاماً دولياً جديداً لمرحلة تالية، وبانتظار الجديد وما ستتمخض عنه الأيام.