وصف الكتاب:
"رأيتُ الصيَّادين بالصديري واللباس الإسكندراني الأسود الواسع الطَّيَّات يبسطون شِباكَهم وينفضونها من السَّردين. فيتتابَعُ ويصطدم. ويرتطم بخبطاتٍ طرِيَّةٍ دَسِمَة. ويسقط على الكومة الفضِّيَّة التي ترتعدُ ما زالت بالحياة. في قاع المركب. وينحني الصيَّادون ويلقون بالسمكات الصغار إلى البحر. والأولاد بأجسامهم المحروقة يسبحون حول المراكب، منهم العُراة تمامًا، ومنهم مَن اكتفى باللِّباس العَبَكِ المُتهدِّل الذي يكاد ينزلق من على وسطه. يغوصون، برؤوسهم أوَّلًا، ويخرجون على الفور وفي أيديهم السَّمكات التي تضطرب وتتملَّص وتتلوَّى وتنزلق، فيرمونها في أكياس مُرتَجَلَة من الخيش الغامِق المبلول يَشُرُّ منها الماء كُلَّما خرجوا يشقُّون سطح البحر، والنوراس الرمادية الضَّخمة الأجنحة تنقضُّ فجأةً من عَلٍ وتخطف صيدها من المراكب، ومن أيدي الأولاد. صدورهم المخسوفة يلمع جِلدُها مشدودًا على العِظامِ النَّاتِئَة، ترتفع وتنخفض باستمرار، وتُحلِّق النوارس ظافِرَةً، صاعِدَةً في خَطٍّ مُستقيم، وهي تنعق مُهدِّدَة، غامضة أو خائفة."