وصف الكتاب:
الكثير من الدراسات التى تناولت التراث الشعبى من مفهومين مختلفين، مفهوم يعلى من شأنه ويعتبره أساسا للعديد من القيم والعادات والتقاليد وأحد أهم الروافد الثقافية فى المجتمع، ومفهوم آخر ينظر إلى الموروث الشعبى نظرة ازدرائية سواء من خلال النخبة المثقفة التى ترى فى هذا الموروث الكثير من الخرافات والأساطير والأباطيل التى لا تتفق مع روح الحداثة التى ننشدها، أو من خلال النخبة الدينية التى ترى فى هذا الموروث خروجا عن تعاليم الأديان وعن التربية الدينية الصحيحة والسوية، وبين هذا وذاك نشأت الحركة العلمية لدراسة الموروث الشعبى من وجهة نظر محايدة، تزامنا مع دعوة اليونيسكو إلى حفظ تراث الشعوب اللامادى، وعلى أثر هذه الدعوة بدأ الاهتمام الأكاديمى المنظم لدراسة التراث الشعبى بموضوعية، بعيدا عن التحقير أو التمجيد، وبالتفريق بين مفهوم حماية التراث واحترامه، ولكن هناك العديد من النقاط الشائكة التى لم يتعرض لها الكثيرون بالبحث، وهو التراث الشعبى الذى يتضمن قدرا من العنصرية والتمييز ومن ثم الاضطهاد، وهو ما يظهر فى العديد من القصص والحكايات والأغانى والملاحم الشعبية، ويعرضه الدكتور سعيد المصرى فى كتابه «تراث الاستعلاء.. بين الفولكلور والمجال الدينى»، مبينا أن دراسة التراث عادة ما تميل إلى بحث ودراسة واستقصاء وتحقيق التراث الإيجابى الذى يدعم قيما معينة يشترك فيها أبناء منطقة بعينها، وقليلا ما تهتم الدراسات بالتراث السلبى، مع العلم أن النظرة الموضوعية للتراث يجب أن تأخذ فى حسبانها وجود النوعين التراث السلبى والايجابى على السواء، وتقوم بحماية التراث بدون الحكم عليه، أما مسألة احترام التراث فهذا موضوع آخر، يتعلق بالقيم الإيجابية التى يمكن استنباطها من بعض الموروثات الشعبية وتمكينها فى المجتمع للإغلاء من قيم معينة. ويوضح الكاتب أن هناك تراثا يدعم كثرة الإنجاب وهدر الموارد، وثقافة الفقر وثقافة التحايل، مقابل تراث آخر يعزز السعادة الإنسانية والحفاظ على البيئة، والطموح والتطلعات، والمسؤولية الاجتماعية. وعلى نفس المنوال ثمة تراث يعزز العدل والتسامح، وقبول الاختلاف، مقابل تراث آخر يعمق عدم المساواة، وروح التعصب والتطرف ونار الكراهية. ويتطرق الكاتب إلى تلك الثنائيات باعتبارها مبحثا مختلفا عن المألوف، مشيرا إلى وجود العديد من الموروثات التى تنبنى على أساس التعصب والتمييز والكراهية والاختلافات الإثنية والنوعية والاجتماعية التى تعزز الصراعات الطائفية والعرقية. ويبدأ الكتاب بالبحث فى ملامح الاستعلاء المرتبطة بالخصائص الاجتماعية، التى تنتشر بقدر كبير فى التراث الشعبى الشفهى، وهو نوع من التمييز يطلق عليه «الاستعلاء البدائى»، حيث ينمو هذا التراث بصورة تلقائية فى ظل أنماط من القيم البسيطة التى تحتل فيها قيم الذكورة والفحولة والعشائرية والإثنية أهمية كبيرة فى حياة البشر. وتطور الأمر لظهور نوع من الاستعلاء الطبقى الذى يميز بين الناس وفقا لمكانتهم الاقتصادية. ويضيف الكاتب: «يصل التمييز الثقافى إلى أقصاه فى حالة الاستعلاء الدينى المرتبط بالاختلافات الدينية، بحيث يصبح الانتماء لدين معين مبررا للتمييز فى الحقوق والواجبات... وقد شاع هذا النمط من الاستعلاء الدينى داخل حركة الإسلام السياسى. ولهذا طرح سيد قطب فكرة الاستعلاء بالإيمان ويعنى به الحالة الشعورية للمؤمنين نحو أنفسهم وفى نظرتهم للآخرين ملخصا ذلك فى (الاستعلاء على قوى الأرض الحائدة عن منهج الإيمان، وعلى أوضاع الأرض التى لم ينشئها الإيمان)، ويشير الكاتب إلى أن سيد قطب خصص فصلا كاملا للاستعلاء فى كتابه معالم فى الطريق. يضم كتاب تراث الاستعلاء مجموعة من الدراسات والبحوث الميدانية التى أجريت حول تراث الاستعلاء بأبعاده الفولكلورية والدينية، وتداعياته الاجتماعية والثقافية والسياسية فى الواقع الاجتماعى العربى المعاصر. وينقسم الكتاب إلى سبعة فصول كالتالى: يعرض الفصل الأول قراءة ثقافية حول مفهوم التمييز الثقافى والمفاهيم المرتبطة به، وكذلك المداخل النظرية لتفسير صور التمييز فى التراث اللامادى والثقافة المجتمعية السائدة. ويحلل الفصل الثانى صور التمييز الثقافى من واقع دراسة ميدانية للتراث الشعبى المصرى من خلال رصد التباينات الاجتماعية النوعية والعمرية والطبقية والجغرافية والدينية والعرقية والجسدية، ويتناول الفصل الثالث طبيعة الفجوة الراهنة بين التعليم والتراث الثقافى وجذورها التاريخية والعوامل التى ساعدت على تفاقمها. ويقدم الفصل الرابع عرضا نظريا حول فكرة المجتمع المتخيل وآليات تفعيلها فى الواقع، وهى الفكرة التى تكمن خلف معنى الاستعلاء الدينى. ويرصد الفصل الخامس السياقات المرتبطة بتفعيل فكرة المجتمع الإسلامى المتخيل فى البادية وتطور الحركة الإسلامية. والتغيرات الاجتماعية والثقافية السياسية التى تستهدف فرض تراث الاستعلاء باسم الدين. ويركز الفصل السادس على تحليل الوضع الراهن للمؤسسات الدينية فى مصر، وفى الفصل السابع عرض لطبيعة الجدل حول تجديد الخطاب الدينى. يتضمن الكتاب بالإضافة إلى الدراسات الميدانية ذات الطابع البيانى والاستطلاعى العديد من الاستشهادات بالقصص والحكايات والأشعار والأمثال التى تؤكد على وجود ثقافة التمييز فى تراثنا الشعبى وتداخلها مع المجال الدينى فى أكثر من منحنى، والكتاب يمثل دراسة أنثروبولوجية ـ ثقافية فى غاية الأهمية تختلف عن الأنماط والمناهج السائدة فى دراسة وتناول التراث الشعبى منذ السبعينيات وحتى اليوم.