وصف الكتاب:
أصدرت دار أقلام عربية للنشر والتوزيع «يوميات فرانز كافكا»، التي ترجمها إلى العربية عماد منصور، وتتناول الفترة من 1910 إلى 1923 وهي تتأرجح وتتداخل على نحو وثيق بين عالمين: عالم كافكا الداخلي شديد الاتساع، وفيه يسرد أحلامه وكوابيسه، وشعوره نحو أبيه، وعلاقته المعقدة به، ونحو المرأة، وإخفاقاته ونجاحاته معها في حياته، وشعوره الشديد بالعزلة والاغتراب، ونظرته إلى الآخر، ولا يخلو هذا العالم من تأملاته الشخصية، في نفسه وموضعه، في مواجهة السلطة والعائلة. العالم الثاني الذي تكشف عنه اليوميات، هو العالم الخارجي الذي يغص بالبورتريهات الشخصية لكل من يقابله كافكا تقريباً، والوصف المكاني الموضوعي، في يوميات الرحلات على الأخص، والكثير من المسودات الأولى لقصصه ورواياته، ومشاريعه الأدبية التي لم تكتمل، وتأثره بشخصيات تاريخية مثل جوته، وتحليله لوقائع تاريخية، كغزو نابليون لروسيا، ونقد أدبي لأعمال أدباء مثل تشارلز ديكنز، وصداقاته مع ماكس برود وروبرت موزيل وآخرين. تذيل اليوميات «حاشية» كتبها ماكس برود صديق كافكا والمؤتمن على أعماله بعد رحيله، وفيها يؤكد أن نص هذه اليوميات مكتمل بأكبر قدر ممكن، يقول: «حذفت فقرات قليلة فقط، بلا معنى، كما يبدو بسبب طبيعة الشذرات فيها، وفي معظم الحالات لم تكن تشتمل سوى على بضع كلمات، وفي حالات نادرة حذفت أشياء كانت حميمة جداً، كالنقد اللاذع تجاه أناس كثيرين، لم يكن كافكا بالتأكيد ينتوي نشره على الملأ»، من هؤلاء بالطبع ماكس برود الذي طالته انتقادات عديدة. عندما تكتب اليوميات فأنت عادة ما تدون ما هو متعب أو مرهق فقط، وبتدوينها على الورق يمكنك التخلص من الانطباعات المؤلمة، أما الانطباعات السعيدة في معظم الأحوال فلا تظهر في هذا السياق، بل تدوّن كما يعرف الكثير من التجربة، في حالات استثنائية فحسب، ويمكن القول إن اليوميات تشبه نوعاً ما من المنحنيات المعيبة، التي تسجل فقط ساعات الكرب والحزن الشديد. تنطبق هذه القاعدة على الدفاتر الثلاثة عشر، التي تشكل يوميات كافكا الحقيقية، وفي «يوميات الرحلات»، التي تقع في الفترة نفسها يطغى مزاج أكثر إشراقاً، بل يمكن ملاحظة حس الدعابة لدى كافكا بوضوح أكبر في خطاباته، تبدأ الكآبة في الظهور في الخطابات فقط عندما تبدأ صحته في التدهور، رغم أنه حينها تتلون الخطابات أيضاً بأعمق ألوان اليأس في معظم الأحيان، رغم ذلك يمكن للمرء التمييز بين درجات الإشراق التالية في صور الحديث الشخصي المتنوعة لكافكا. تظهر اليوميات أكثر الأجزاء قتامة في المقياس، مذكرات رحلاته أكثر إشراقاً بعض الشيء، العديد من خطاباته يتسم بمزيد من الإشراق في محادثاته وكلامه اليومي، خاصة في الفترات الأولى من حياته، نرى براءة مبتهجة يمكن للمرء بالكاد أن يعزوها إلى مؤلف اليوميات، حيث تشكل وحدة أسلوبية، يدون من خلالها الكاتب الأفكار الأدبية، بدايات القصص، أو التأملات التي ترد على خاطره، المبادئ التي ترشده، الطريقة التي ينظر بها إلى جهوده الأدبية، لموازنة ومقاومة العالم العدائي، الذي يحيط به، والوظيفة المكروهة الشاقة والمرهقة، كل هذا يظهر بتكرار وتفصيل في التدوينات نفسها. إلى جانب الإلهام المتولد عن خياله، يدون كافكا أيضاً الحوادث في عالم العمل اليومي، وكذلك الأحلام، توجد مسودات أدبية تسيطر فيها الأحلام على التدوينات الواقعية نسبياً، تمثل غالباً نقطة بداية للإبداع الأدبي، في حالات سعيدة على نحو استثنائي تكون النتيجة، قصيرة كانت أم طويلة، عملاً أدبياً مكتملاً من جميع الجوانب، من بينها يختار كافكا لاحقاً القليل للنشر، يمكن العثور عليها في سياق اليوميات، حيث كثيراً ما يلقي ضوءاً غير متوقع على محتويات هذه القطع الأدبية. بالتالي بين التدوينات اليومية التي كانت بمنزلة منبع للإبداع الأدبي للكاتب، يمكن رؤية العديد من الفقرات التي كان من الممكن نشرها كشذرات مستقلة، رغم أنها ذات سمات غير منتهية، ومن جانب آخر تتسم اليوميات (خصوصاً يوميات الرحلات) بخاصية مختلفة تماماً، تدون الحوادث والتجارب بأسلوب واقعي محض، بطريقة لا توفر كما يبدو نقطة بدء لعمل لاحق - كما يفعل السائحون عادة - بالطبع هذا السائح هو كافكا، ورغم أن طريقته في ملاحظة الأشياء تبدو اعتيادية بالكامل، لكنها تنحرف بغموض عن كل ما هو عادي، كلاهما الواقعي المحض والمختلق جزئياً، الذي يتحول في حالات السعادة إلى عمل منتهٍ، يختلطان على نحو فريد في اليوميات.