وصف الكتاب:
طرقنا الباب مرة وثانية وأخرى ولم نتلق أجابة تبادلنا النظرات أنا وأختى ولم نصدر أي رد فعل،أشار علينا البواب أن نطرقه من جديد بقوة أكبر وحينما فعلت ولم تستجب لنا قرر البواب وسط ذهولنا أن نكسره ...وفعل... تباطئنا في دخولنا إلي غرفتها حتى أنه أستبقنا ثم جاء صوته قبل أن نعبر باب غرفتها..لا حول ولا قوة الا بالله...البقاء لله...لا اله الا الله... البقية في حياتكم ...تسمرنا أمام الباب بعيون شاخصة ووجدناها ممددة علي فراشها ،ساكنة،مغمضة العينين...بادرنا...شدوا حيلكم أنا هأنزل أبلغ العمارة وشيخ الجامع لا اله الا الله...تجاوزنا وخرج مسرعا من باب الشقة...أنتظرت أن تقول شيئاً وأنتظرتنى هى أيضا...لكننا لم نعقب!!! بحذر وجدت أن علي كأخ أكبر وكذكر أن أتقدمها فخطوت إلى الداخل ووقفت علي جانب فراشها الأيمن...وحينما سكنت أطمأنت فتبعتنى لتقف علي الجانب الآخر من الفراش... تأملناها غير مصدقين أحقا!!! تسائلنا بداخلنا وعبرت نظرات أعيننا المتبادلة عن هذا التسائل هل ماتت حقا؟!!!أردت أن أقترب منها لأتحقق من توقف نبضها وسكون أنفاسها لكننى لم أجروء!!! رجتنى أعينها متوسلة أن أقول شيئاً فخرج الصوت من جوفي متحشرجاً...ماما ماتت...أختلطت المشاعر بنظراتها ولم تعقب... وبعد فترة صمت لفظت كلمة واحدة ...متأكد؟؟؟ وبعدها لم أعقب. بعد فترة قصيرة كان المنزل قد أمتلأ بالناس جيران ،أقارب وأصدقاء..لم أعرف كيف أتوا أو من قام بالأتصال بهم لكننا وجدناهم وسطنا يبادلوننا التعازى بأعين جامدة ...جاءت أمرأة منتقبة لتغسيلها معها من يساعدها ويحمل الكفن طلبت منا أن نتراجع ففعلنا بهدوء طالبتنا بالخروج من الغرفة لكننا لم نتحرك...سبيهم دول مصدومين يا عينى مش شايفة جامدين أزاى...سمعنا همساً ومصمصة شفاه وشعرنا بتربيت علي أكتافى وظهر أختى وعبارات كثيرة متلاحقة ومحفوظة ومكررة ...أجمد وأمسك نفسك أنت راجل عشان تسند أختك أنت سندها دلوقتى ...تساؤلات ...إلا صحيح فين جوزك؟؟؟ ...الحمد لله أنك هنا يا أبنى تخيل لو كانت ماتت وأنت مسافر وملحقتهاش...ألا صحيح هى ماتت أمتى وأزاى؟؟...هى ماتت موتة ربنا ولا كانت عيانة؟؟... لم يقطع هذا السيل سوى ظهور طبيبة الصحة أمام باب الغرفة..لو سمحتو كله بره عشان أكشف...تراجعوا ...أتفضلي بس دول ولادها...أضافت عادى ممكن يستنوا...ورغم ذلك لم ينفض كل من بالجمع وبقي معنا من بقي لوهلة أحسست أنهم مثلنا أنا وأختى يُريدون أن يتأكدوا!!!! كاد قلبي أن يقف وهى ترفع جفنيها أمسكت أختى التى أنتقلت إلي جوارى بيدي وضغطت عليها بشدة وكأنها تخشي أن تعود لتفتحهما من جديد ...خف ضغط يدها وهى تجدها مستسلمة للكشف دون أن تصدر أية حركة...أنتهت...وخرجت بآلية مقررة...حد ييجى عشان أطلع له الشهادة...رمقنى الجميع وانتظروا لكننى لم أتحرك فوجدت خالي يدفع بابنه أن يلحق بالطبيبة...ثم قال بحزم...فوق يا ابنى مش كده وللمرة الثانية دخلت المنتقبة ومساعدتها لتغسيلها ...أخرجوا مفيش داعى تحضروا الغسل ...ده حرام أساساً..رد خالي لا مش حرام دول ولادها...حضرتك أنا عارفة أنا بأقول إيه كويس أنا معايا إجازة من حالأزهر...تصاعد الموقف..وأنا عارف أنا بأقول إيه من غير إجازة من حد...ورغم أننا لم نتبين ملامحها التى يكسوها السواد إلا أننا سمعنا تمتمتها ورأينا دخان كظم غيظها...أستغفر الله العظيم...طب إنت طاهرة يا بنتى عشان تقفي علي الغسل؟؟؟ فوجئت أختى بالسؤال وقبل أن ترد...أستغفرك ربي وأتوب إليك...أستغفر خالي...يا حاجة لو مش عايزة تغسليها ممكن نشوف حد تانى...ولته ظهرها وهذه المرة لم نستوضح "برطمتها" ...في دقائق كان سرير الغسل الحديدي قد نصب وقامت ومساعدتها بنقلها عليه دون طلب منا ثم بدأتا بتجريدها من ملابسها شيئاً فشيئا وبتضفير شعرها ...راقبنا ما يحدث بذهول تام وكأننا نتفرج علي غسل شخص غريب لا يقرب لنا...وأفاضت الماء....- سخن أوى يا ماما ...رغم أن سخونته كانت أقل من سخونة ما تبادرنى به من صفعات علي أماكن مختلفة من جسدى...أقف عدل بقي ربنا ياخدكم ويريحنى أنا كان مالي بالقرف ده كله كانت جوازة الندامة دى عيشة تقصر العمر أتعدل أحسن لك...أقشعر بدنى كأنها تقوم بتغسيلي أنا ثم أفاضته ثانية....بتعيطى ليه يا موكوسة ...هو ايه اللي كان حصل يعنى ...ده راجل قد أبوكى هو كان أغتصبك يعنى بطلي نواح لألطشك قلم يحولك...يا هبلة بوسة هنا وبوسة هناك إيه المشكلة طالما كله من فوق الهدوم واحدة غيرك كانت تنبسط أنت شفتى أدانى فلوس قد ايه بعد كده...حككت جسدى وكأنما شعرت بيده الحقيرة وهى تعبث بمحتوياته من جديد تقززت وأنا أرمقها تغسل صدرها ورغم ذلك وددت له أنه صدرى الذى لم أستطع أزالة أوساخه بعد ما حدث مهما أغتسلت...مدت يدها فناولتها الكفن وبدأت في تكفينها لفة وراء أخرى كانت أنفاسنا تحبس مع كل واحدة منها كم كنا نود أن نحكم نحن تكفينها بأيدينا لنتأكد من أنها لن تستطع الفكاك منه...خلاص...قالتها ثم جمعت أشياءها وأنصرفت ولحقتها مساعدتها...أنتبهت ....ألا كان يجدر بها أن تتلوى بعض الآيات والأدعية!!!! رمقتنى أختى كأنها تفكر فيما أفكر به لكننا وكعادتنا...لم نعقب ... عادوا للدخول من جديد نساءً هامسات جامدات النظرات فكنت أحس أنهن مثلنا كن في أنتظار موتها...ولكن هل ماتت حقا؟؟؟!!! همس ورائه همسات ...يلا الله يرحمها ويغفر لها...معقولة يغفر لها بعد اللي عملته...علي قولك دى ماعتقتش حد أمال أحنا قاطعناها ليه...ولا جوزها اللي جننته ومات من قهرته...مصمصة شفاه...تداخل أصوات...هو جوزها بس ده إبنها طفش من البلد بحالها وراح أشتغل في بلد تانية عشان يخلص من فضايحها...مصمصة...تنهيدات...تداخل أصوات...أنا مش صعبان عليا إلا بنتها ...يا كبدى أجننت روخرة بعد ما شفتها مع جوزها!!!! سياط الكلمات تجلدنا تمزق أجسادنا نار الألسنة تحرقنا وتحيلنا إلي رماد...ماشفتيش المغسلة كانت بتقول ايه لمساعدتها بتقول لها ريحتها والعياذ بالله وحشة مش عايزة تنضف رغم كل المية والمسك اللي حطته لها.... جاء صوته يلا يا جماعة عشان نلحق ندفن قبل المغرب ...تحركن بعد أن ألقين نظرة وتنهيدة راحة وكأنهن يقلن في أنفسهن الحمد لله خلصنا منها دفعونى لأحمل الخشبة معهم ...كانت ثقيلة ثقيلة لدرجة أعجزتنا عن حملها لعدة مرات حتى نجحنا أخيراً بعد أن أشار البعض بزيادة عدد الحاملين،لم تكن بدينة ليكن لها كل هذا الثقل...تخينة!!!دى مين دى اللي تخينة...عمرى ما هأتخن ده أنا كل راسمالي القد ده...هو الرجالة اللي بيترموا تحت رجلى وبأدفعهم دم قلبهم عشان ايه مش عشان جسم غصن البان ده!!! فيما أفادك الآن وقد أستحال إلي جثة بالية نتنه الرائحة يعجز الرجال عن حملها لمواراتها التراب!!! أقعدى كلي زى البغلة كده هو جوزك طفشان منك من شوية ده يا كبدى كل يوم ييجى لي ويقعد يشتكى لي وينعى حظه ويقوللي هى ليه ماخدتش جسمك اللي مولع جتتى نار ده ويبوس في إيدي ورجلي عشان أطفيها له ...وبأطفيها عشان بس يفضل مخليكى علي ذمته....لم أفعل شيئاً حينما رأيتهما في الفراش معاً ...تسمرت...كما كنت دائماً منذ أن جعلت أيدى الرجال تستحلنى منذ صغرى!!! لم أستطع فعل شيء ...ماذا أفعل الى أين أذهب ألن أواجه نفس المصير اذا طفشت!!! أطمنى أنا أمك مش هأخلي حد يأذيكى طالما كله من فوق الهدوم ماتقلقيش!!! دقائق كالدهر والرجال لا تستطيع النزول بنعشها من السلم ...سلم العمارة التى فتحت جميعا أبوابها لتشيعها بنظرات لاعنة وكأنها تتأكد من موتها...كنا جميعاً نشك ...أنا أولهم لم أتخيل يوماً أنها ستموت مثل بقية البشر...كان جبروتها عارماً كالسيل يقتلع كل ما أمامها كالصدمة تخرس كل صوت...سقط والدى بجلطة أفقدته الحركة والسمع والنطق حينما وجدنى بين أحضانها!!! لم أتحمل فقدت ثقتى في كل شيء كفرت بإيمان لم يمنعنى من أن أشتهيها وقبلت الجحيم تحت أقدامها!!! رحلت تركت كل شيء خلفي وسافرت وعاهدت نفسي ألا أتزوج أبداً ورفضت حضور جنازة والدى ورفضت رؤيتها في أجازاتى حتى طلبتنى أختى اليوم وهى تزف لي قلق البواب لأنها لا ترد!!! هل حقاً ماتت!!!! هل تنتهى كل معاناتنا بموتها!!! أشك.... لأننى أكاد أراها أكبر حتى من الموت!!! وصلنا أخيرا متأخرين جداً جداً يسقط منا واحداً تلو آخر ولم يتبق معنا إلا قلة مثلنا بائسة كل مايربطها بالحضور هو الرغبة في التأكد من أنها قد ماتت بالفعل!!! فتحنا القبر وقمنا بإنزالها وأصرت أختى علي مرافقتنا فسر الجاهلون هذا علي أنها الصدمة والتعلق بالأم صدمة منعتنا حتى من ذرف الدمع لكنها كانت مثلى تريد أن تتأكد ... مددناها علي الأرض تركنا الجميع وصعدوا فوق الأرض وكشفت أن وأختى وجهها وظللنا نهيل عليه التراب نهيل ونهيل بحرارة الأنتقام ونهيله أيضا فوق رؤسنا كأننا نتطهر به ولكننا نرجمها به لكن.... فجأة سمعنا شهقة عالية...تراجعنا وأنصتنا وسط خوفنا وذهولنا ...ماذا كحة فشهقة فكحة فسعال ثم وجدناها تتحرك وتحاول فك يدها والخروج من كفنها....صعقنا وأسرعنا بالخروج ونحن نغلق باب الغرفة ونتاكد من غلق القفل ثم توقفنا وتبادلنا النظرات تائهين ضائعين وصوتها يرنو الي مسامعنا منادياً بأسمائنا ...تسمرنا ...تخشبت أجسامنا ...لكننا دون أن ننبس ببنت شفة كنا قد عزمنا أمرنا فأسرعنا بالصعود نغلق الحجارة من خلفنا ونهيل بأيدينا التراب بكثافة ونحيبنا يحطم صمت الموت في المقابر من حولنا...أهلنا التراب بأيدينا ،بسرعة ،بدموعنا ونحيبنا مرة وتانية ومئة ومن حولنا ....مصمصة....همهمات...لعنات غاضبة...مساكين فاقوا من الصدمة دلوقتى من الصبح بنقول لهم أبكوا ما تكتموش في نفسكم ...تلاقيهم أتلبسوا لما نزلوا ومستحملوش...أصوات متداخلة...أصوات وأصوات...لم نستطع أن نميز شيئاً منها سوى صوتها .