وصف الكتاب:
خـرج في عجالـة وأغلـق خلفـه البـاب جيـدا، وعنـد مدخـل المنـزل المتسـع اصطـدم بالحـارس، وعندمـا اقـترب منـه تسـلل إلى قلبـه الخـوف، وردد بينـه وبـن نفسـه إنهـا بالفعـل نفـس ملامـح الحـارس ويرتـدي نفـس زيـه المعتـاد، ولكـن وجهـه تغير فيبـدو كأنـه زجاجـي عـلى شـكل مربـع، ارتعـد جسـده وتجمــدت الدمــاء في عروقــه، حــدق طويـلًا في وجهــه ذي الأبعــاد الهندسـية، رمقـه الحـارس بنظـرات حـادة، ألقـى عليـه السـلام بصـوت مختنـق، فـرد بعبـارات آليـة مهتـزة، ازداد تعجبـه مـن هيئتـه وحركتـه وصوتـه، ارتسـمت الدهشـة على وجهـه، ثـم تركـه وخـرج مـن المنـزل. ًعـلى طــول الطريــق يلمــح وجوهًا زجاجيــة، تحملهــا أجســاد معدنيـة وتسير عابـرة الطريـق كأنهـا ريبورتـات، ولكنـه اندهـش مـن هـذا الغـزو المفاجـئ، تتقـاذف إلى مسـامعه بـين الحين والآخر أصـوات حـادة ميكانيكيـة، فتـزداد دهشـته وتعجبـه، يحـدق بفضـول في الوجوه ً والأجســاد حولــه، احتــوى قلبــه الرعــب، اندفــع منطلقــا إلى موقــف السـيارات العامـة، وهنـاك اسـتقل سـيارة أجـرة تنقلـه إلى مقـر عملـه، جلـس عـلى مقعـد بجـوار النافـذة، راقـب باندهـاش مـا يـدور حولـه، الحركـة الآليـة لم تتوقـف طيلة الوقت، دارت في ذهنه تساؤلات متباينة: -مــن أيــن أتــت هــذه الكائنــات؟ ومــا هدفهــا مــن غــزو الأرض؟ ولمـاذا اختــارت مدينتنــا؟ دار ذهنــه طــوال الوقــت ولكنــه لم يســتطع الأجابــة عـلى تلــك التســاؤلات الغامضــة، اختنــق صــدره وتشــتت عقلــه. انطلقــت بــه السـيارة حاملـة وجوهًا غريبـة وأجسـادًا معدنيـة جامـدة، ازداد روعـه وخوفـه، تشـبث بزجـاج النافـذة، وهيـأ نفسـه للهـرب والقـفز مـن السـيارة في أي لحظـة، أطـال النظـر في الوجـوه العجيبـة فانتابـه الذعـر، لمـح ســائق الســيارة أمامــه بنفــس الوجــه الآلي والجســد المعــدني، ارتجــف وشــعر بدنــو أجلــه، طــارد عقلــه الأحــام التـي تمناهــا ولميحققهــا بعــد، يجهــل المصير الــذي ينتظــره. ًّ انشـغلت عنـه الألسـن المتحركـة ميكانيكيًا ودارت بينهـم أحاديـثجانبيــة مبهمــة، اسـترق الســمع محــاولًا إدراك مــا يحــدث، لم يتبــن أي مـن عباراتهـم المبهمـة، فلغـة الحـوار بينهـم غـر مألوفـة، وفـاضً ذهنـه في التفكـر وانطلـق خيالـه محلقـا، لا يـدري مـاذا ينـوون فعلـه؟، وهـل مبقدورهـم مواجهتهـم وحاميـة الأرض منهـم؟. قـرر في أعماق نفسـه أن يفـك رمـوز اللغـز مـع زملائـه في العمـل، ربما يكـون أحدهـم عـى درايـة بمـا يجـري بالضبـط، مـن المؤكـد أنـه يوجـد بينهـم مـن يسـتطيع حـل هـذا اللغـز وإنقـاذ العـالم مـن الدمار، قادتــه الســيارة إلى مقــر عملــه بعــد رحلــة شــاقة، فوجــئ بتكــرار المشـاهد داخـل العمـل، مـا شـاهده بالخـارج يتحقـق هنـا، فقـد احتـل الغـزاة جميـع المواقـع. ًأصـاب عقلـه الحيرة، وازداد لغـزه غموضًا، الجميـع حولـه تبدلـت هيأتهـم وأصواتهـم، ظـل يبحـث عـن آخـر يعاونـه ولم يجـد، تحـاصره العيــون ذات البريــق اللامــع، دلــف إلى مكتــب رئيســه في العمــل يخبره، ولكــن تبدلــت حالتــه وهيئتــه كباقــي الزملاء، لاذ بالصمــت وكتم أنفاسه في داخله، وجِّه أسئلته إلى زملائـه، فتعجبـوا من أسئلته الخياليـة المزعجـة، ثـم انـزوى بعيـدا إلى مكتبـه، انهمـك طيلـة اليـوم في العمـل صامتًا. مـر اليـوم ثقيلًا ، كاد قلبـه يتوقـف أكثر مـن مـرة، فعقلـه وقلبـهً يرفضان مـا يـدور، في نهايـة اليـوم انطلـق عائـدًا إلى منزلـه، ثـم جلـس على مقعــده المهتــز، تــرك العنــان لخيالــه ليحلــق عاليًا، بعد عدةَّ دقائــق بــدل ملابســه وحــدق في المـرآة، وجــد صورتــه تشــبه الصــور التي شــاهدها طــوال اليــوم، ارتجــف قلبــه وبرقــت عينــاه، فحطــم الزجــاج الفاصــل بينــه وبين الحيــاة.