وصف الكتاب:
سألتُ نفسي، لتزجية الوقت، وهو سؤال شائع، بسيط، يردده بين الحين والآخر، ملايين البشر لأنفسهم، ولأن الإجابات كثيرة، بعدد حبات رمل أحد الشواطئ، ولأن أيضاً مجرد إطلاق السؤال دون إجابة، يساوي في قيمته نفس عدد حبات الرمل في شاطئ الإجابات، فقد أحجم كثيرون عن إطلاق السؤال، واعتبروه سؤالاً مبتذلاً، أو سؤالاً لا جدوى منه، بينما كانوا في السر، وبكتمان تام، يخططون، ويضعون استراتيجيات معقدة، تستهدف بصمت، تطبيق السؤال، وإجابته في حياتهم الواقعية. السؤال هو ما هي السعادة؟ أفضل طريق للإجابة الوافية، هي اللغة، بأمثلتها التوضيحية، المعيارية، واللغة هي الاستعارة، والاستعارة نمط من التمثيل، وضرب من التشبيه، والتشبيه ضرب من القياس، والقياس يجري فيما تعيه القلوب، وتدركه العقول بحسب عبد القاهر الجرجاني في كتابه "أسرار البلاغة". أشهر أسماء التوضيح اللغوي هو مثال زيد. نقول: يشعر زيد بسعادة مطلقة بعد نوم عشر ساعات، بدعم من حبتين مهدئتين ليكسوتانيل، ثم يقظة خاملة، يأتي بعدها مثلث خبز بلدي محمص، عليه قطعة جبن زرقاء، شبه سائلة، وكوب من عصير البرتقال، وقهوة قوية، وسيجارتان بدون فلتر. ليس من باب الإحباط التأكيد على أن المثال غير ما يمثله، لكن على العموم، ولعدم توفر وسيلة في الحياة البشرية، لإلغاء العبور بين شيئين، ماديين، أو معنويين، أو العبور بين شيئين، أحدهما مادي، والآخر معنوي، نعتبر بعجز، وبؤس يدعو للرثاء، مثال زيد عن السعادة المطلقة، مثالاً دقيقاً، حقيقياً. في رأي زيد أن السعادة لا تأتي إلا دفعة واحدة، كالصاعقة، ولهذا فهي لا عقلانية، انفعالية، حسية، والعدو الوحيد للسعادة هو التكرار، والتكرار نوعان، تكرار يعي ذاكرته، ويعرف أنه جاء مرات لا تعد، ولا تحصى، جاء بعدد رمال الشواطئ في القارات الخمس، وتكرار ثان، لا يملك ذاكرته، ولا يعرف تاريخه، وبحسابه اللازمني، فهو يأتي للمرة الأولى. التكرار الأول يقلب السعادة المطلقة، تعاسة مطلقة، والتكرار الثاني فقط، يحقق مبدأ السعادة، وهو الندرة، والندرة حجر عثرة لتذوق السعادة، لا خبرة في مرة أولى، يتيمة الدهر، فليس هناك شاهد على السعادة، ولا حتى زيد نفسه. ـــــــــــــــــــــــ من كتاب «أشغال وقت شاقة» (يوميات)