وصف الكتاب:
تدربت جميلة على يد سندس على فنون التعامل مع العقارب، ولم تَعُد المسألة تثير مخاوفها، غير أن الهواجس تحاصرها اليوم، فتنظر للمخلوق السام بشيء من القلق. فهي لا تريد أن تخاطر بفقدان صديقتها الوحيدة. تغلق عينيها وتغطيهما بكفيها حتى لا تنفتح إحداهما مدفوعة بحب الاستطلاع. في عزلتها اللحظية تسترجع تلك الليلة الغبراء التي استيقظت فيها قبل الفجر مباشرة. أزعجتها خطى متعجلة لأكثر من شخص. كانت شهقات النسوة المكتومة أكثر إيلامًا من العويل المراسمي الذي أعقبها. مشهد قريباتها منتفخات الأعين وقد غطين وجوههن بالرماد، أكد للطفلة تلك الحقيقة التي كانت استنتجتها بالفعل. وكان موت أقرب الناس إليها تجربة قبيحة خالية من الوقار. لكنها مع هذا لم تُحدث تلك الرجة العنيفة التي توقعتها. ثم جاء شعور الفقدان.. إدراك أن ما ضاع غير قابل للتعويض، وتلاه الإحساس بالعجز. تظل حاجبة عن نفسها البصر حتى تفيقها نداءات سندس المتكررة، فتفتح عينيها في اللحظة التي تسدي سندس فيها ضربة الرحمة. تلوي بجسم ذيل العقرب وتفصله عن جسدها، وتهز المخلوقة المسكينة من رأسها. فتشهد العذراوان قطرات السم وهي تتساقط على الرمل.. كنطفة رجل متهور. "يا عقرب العقارب.. يا حكيمة المخلوقات.. الحق قولي.. والضلال بددي.. المستور اكشفي.. واللئيم افضحي.. يا عقرب العقارب.. يا حكيمة المخلوقات." تنشد الفتاتان عدة مرات، ثم تحيط سندس العقرب بكفيها المضمومتين، وترفعها لأذنها، ثم لأذن جميلة، وتنصتان باهتمام.. لهمس العقرب.