وصف الكتاب:
تقوم شعرية القراءة لدى بورخيس على الإعلاء من شأنها، ما دامت تعدّ صنوا للحرية وللسعادة ولتحقيق الشخص في فرديته، دون تحمّل مسؤولية الآخرين، حيث يكون الكاتب مضطرا إلى بناء نصّه كمزار، على مساحته تتقاطع الطرق والأهواء والأنوات المتضاربة في التفكير والإحساس، إنه يكون مضطرا أيضا لفعل ذلك حتى تستجيب ل " إسقاطات القارئ". أما هو كقارئ، فإنه "يروي عطشه"، ولعل هذا التصريح يذكرنا بحالات "جورج باطاي"، وبحالات "رولان بارث" و"جان جونيه".. حيث العلاقة بالنص المقروء مبنية على اللذة الجنسية، تستحضر المضاجعة كتفاعل جسدي يتمّ تتويجه بالأورغازم. إن أثر ذلك وارد في قول بورخيس، وفي ثناياه، بل إنه حاضر في القشرة الخارجية للفظ، ما دام الأمر يتعلق بالإحساس بالسعادة اثناء القراءة، ومادام يتعلق بانخطاف الذات/ الذوق الخاصّين إلى ما يشهد على امتدادهما وحضورهما في جسد النص. إن مبدأ الغواية يقضي بالبحث عن الذات في الموضوع، حيث يتبادلان المواقع، فتصبح الذات موضوعا لموضوع هو الذات. فيمّحي الفرق، ويتحقق الالتحام فتصبح الذات ذاتا والموضوع موضوعا. وذات الموضوع هي موضوع الذات، وموضوع الذات هو ذات الموضوع، حيث الإضافة لا تعني التبعية وإنما التعريف، فلا نكرة هنا، إنما الكل شاهد على وجوده، دالّ على هويته وكينونته القادمة من نسغه العاطفي الذي يلغي العقل، ويفتح مسامّ الرغبة، ويوسّع من مسارها، لتكون ذلك المتاه الذي تنسرب منه وإليه الذات في لحظة من "الكشف" تُحَقِّقُ الأنطولوجي الأكثر وعيا بشفوف الرغبة، وتنعم بسعادة اللقاء، بعيدا عن تراجيديا الكتابة وبؤسها المدين للمقاييس، وللمظاهر الثقافية، وللقيود المؤسسية.