وصف الكتاب:
أحد أشهر الاستنتاجات (وإن كانت خاطئة إلى حد ما) المأخوذة من مسرحية "لا مخرج"، للفيلسوف "جان بول سارتر"، هي أن "الجحيم هو الآخرون"١. وفكرة المسرحية هي أن ثلاث أرواح وجدت نفسها في العالم الآخر- المكون من غرفة واحدة بلا أبواب أو نوافذ - و أنهم ليسوا عالقين في هذا المكان للأبد فحسب، وإنما يُخرج كل منهم أسوأ ما في الآخر. إذا حدث لك ذات مرة أن علقت في المقعد الأوسط في رحلة طيران طويلة، فربما تكون قد جربت شيئا مماثلا. وقد اكتشف "سارتر" أن العلاقات محورية لسعادة المرء إلى حد أنها حينما تسوء، يمكن أن تصبح كالجحيم فعليًّا. لقد سمعت آراء مشابهة عبر السنوات بينما كنت أعمل مديرًا للموارد البشرية في إحدى أكثر المؤسسات المرتكزة على الموظفين في العالم. وحينما كان الناس يشعرون بأنهم معزولون، أو أن حقوقهم منتقصة، أو أنهم محبطون في عملهم، فإن مثل هذا الإحساس يرتبط عادة بمن يعملون معهم: رئيسهم، وأعضاء الفريق، والزملاء، وحتى المرءوسون المباشرون. ونتيجة لذلك، ألفت هذا الكتاب الذي يدور حول فكرة بسيطة ولكن مؤثرة، وهي: في قلب ما يجعلنا سعداء وفعالين - في كل من حياتينا الشخصية والمهنية - تقع جودة علاقاتنا. وهناك دليل يدعم مدى أهمية جودة علاقاتنا. خذ نتائج دراسة جرانت بجامعة هارفارد، والتي قال فيها الباحث الدكتور "روبرت والدينجر": "الأشخاص الذين ينعزلون عن الناس أكثر مما يريدون، كانوا أقل سعادة، وتدهورت صحتهم مبكرًا في منتصف العمر، كما انحدر نشاط وظائف المخ لديهم بصورة أسرع، ويعيشون حياة أقصر..."٢ . أو ما كشفه تحليل جوجل المتعمق مؤخرًا عن أن العلاقات عالية الجودة كانت سمة جوهرية للفرق الأعلى نجاحًا٣. وقد سمعت على الأرجح القول المأثور إن أهم موارد المؤسسة هي البشر، وأود أن أضيف شيئًا وأخبركم بأنه - من خلال تجربتي الشخصية - كانت العلاقات بين هؤلاء الأفراد هي ما تكون الثقافة، وفي النهاية، تصبح ميزة تنافسية أساسية للمؤسسة. وبعبارة أخرى، العلاقات مؤثرة على المستويين الفردي والمؤسسي؛ فكل شيء تقريبًا يتحسن حينما نركز على تقوية تلك العلاقات. ولكن هناك عادات قديمة وتحيزات تعترض طريقنا. وحينما نجد أنفسنا عالقين في حجرة "سارتر" المجازية، ومحاطين بأشخاص نختلف معهم أو ببساطة يفهموننا خطأ، ففي الغالب يكون رد فعلنا الغريزي الأول أن نُلقي باللوم عليهم. إنه خطؤهم: ليت مديري يفهمني على نحو أفضل، أو ليت زملائي يحترمونني بقدر أكبر، أو ليت زوجتي تنصت إليَّ. هذا هو جحيم "سارتر"، حيث نظل مشغولين بلعب دور الضحية، وبدلًا من تحمل مسئولية أنفسنا، نشوه سمعة الآخر ونلومه. وإذا لم نستسلم ونذعن لأقدارنا، فغالبًا ما تكون الخطوة التالية أن نبحث على نحو غريزي عن سبيل للخروج. وهناك ميل قوي للبحث عن تغيير خارجي لجعل الأمور في نصابها الصحيح مجددًا. وفي النهاية، هناك غرفة جديدة وأفضل (مع أناس أكثر عقلانية) توجد مباشرة وراء الباب التالي! ولكن ماذا يحدث حينما نصل؟ غالبًا ما نجد أنفسنا في غرفة جديدة مع أناس جدد- لهم عيوبهم كما هي حال كل البشر- ومعهم يجب أن نتعلم الآن أن نتكيف ونمضي قدُمًا. نحن ببساطة الشخص نفسه الذي ينتقل من غرفة لأخرى، حاملين معنا نفس المعتقدات المقيدة التي تبقينا عالقين على الدوام دونما مخرج. ونعم، يمكن أن يشبه ذلك الجحيم.