وصف الكتاب:
القصيدة، في الكثير من الأحيان، لا تكتب لكي تفهم ، فالفهم شرطٌ للعلم ، أما شرط القصيدة فأنْ تُحَسّ، وأن تُعاش، وثمة نصيبٌ فيها لكلّ حاسّةٍ من حواسّنا. إن القصيدة التي نفرغ منها في قراءةٍ واحدةٍ هي قصيدةٌ مشكوكٌ في قيمتها، في الغالب، إلاّ إذا أُريدَ لها أداء وظيفةٍ ظرفيةٍ عابرةٍ تستمدُّ منها قيمتها المؤقتة. لا أنظر الى قصيدتي باعتبارها مِلْكِيّةً خاصةً لا شريك لي فيها. أبداً، فشركائي فيها كثيرون : تراثٌ إيقاعيٌّ ولغويٌّ يعصف في الطبقات السفلية البعيدة من حواسي ومن روحي، و ذاكرةٌ مزهوّةٌ بخزينها المتّقد، وشريكي فيها قاريءٌ مؤهّلٌ، ثقافياً وفنياً، يندفع بالنصّ الى تعدّد دلالاته وتشابكها. والدلالة التي أعنيها هنا لاتنبع من أفكارٍ مجرّدةٍ، تستلقي على سريرها مغمضةَ العينين، بينما ينام الأطفالُ هامدين تحت أنقاض مدنهم المهدّمة وعيونهم مملوءةٌ بالتراب والدم اليابس. دلالة القصيدة تنبثق من وجع الشاعر. من نارٍ تأكل أطرافه. ومن نومٍ يتعثر في الطرقات .