وصف الكتاب:
إن المعجزة هي الدليل الرئيسي - إن لم يكن الوحيد – على إثبات رسالة الرسول، وكل ما يتصل بأخلاق الرسول وصفاته وأحواله، فهو راجع إلى المعجزة، فالمعجزة إذن هي الأساس في إثبات النبوات، ولذلك نصبها الله تعالى دليلاً على صدق رسله.ولابد لتلك المعجزات من أن تكون فوق مقدور البشر، خارجة عن نطاق علومهم، خارقة للعادات المألوفة، وللقوانين الطبيعية المعروفة، يعجز العقل عن تفسيرها، كما تعجز القدرة الإنسانية عن الإتيان بمثلها، ومع ذلك فهي ممكنة ذاتاً، غير مستحيلة عقلاً، واقعة فعلاً. وقد كانت معجزات كل نبي من جنس ما برع فيه قومه، كالسحر في قوم موسى، والطب في قوم عيسى، والفصاحة والبلاغة في عرب شبه الجزيرة، قوم محمد – (صلى الله عليه وسلم)-. ومن ثم جاءت معجزات الأنبياء من أجناس متعددة، فقد أعطى الله تعالى موسى - عليه السلام - تسع آيات، هي: العصا، واليد، والطوفان، والدم، والجراد، والقمل، والضفادع، والطمس، والبحر. كما أقدر عيسى - عليه السلام - على الكلام في المهد، وخلق الطير من الطين، وإبراء الأكمه والأبرص - مع عجز الطب في زمانه عن علاجهما -، وإحياء الموتى بإذن الله، وإنزال المائدة، والإخبار عن أكل الناس ومدخراتهم، وعصمته - عليه السلام - من اليهود حين أرادوا قتله، ورفعه إليه. تبين لنا مما سبق أن معجزات الأنبياء قبل محمد – (صلى الله عليه وسلم) - كانت معجزات حسية، انتهت بنهايتهم، فلم ترد في كتاب معجز، بل إن كتبهم قد أصابها التحريف والتبديل، فلم تعد صالحة للاستدلال من خلالها على صدق معجزاتهم، وصحة رسالتهم كما لم تنقل عنهم تلك المعجزات نقلاً متواتراً، دالاً على الصدق دلالة قطعية، ولذا فهي ليست حجة إلا على من شاهدها وعاصرها. أما رسول الإسلام، محمد – (صلى الله عليه وسلم) -، فقد بعثه الله تعالى - وهو خاتم النبيين - بالإسلام، خاتم الأديان، لعموم المكلفين من الإنس والجن. ولما كان – (صلى الله عليه وسلم) – آخر الأنبياء، الذي لا نبي بعده، وختم الله به رسالاته، فقد آتاه الله تعالى القرآن الكريم، وهو المعجزة العظمى له – (صلى الله عليه وسلم) -، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه إلى قيام الساعة، إن شاء الله. وقد تحدى به الإنس والجن، على أن يأتوا بمثله، أو بسورة من مثله، أو بآية من مثله، فعجزوا، وهذا التحدي قائم في وجه من عاصر النبي – (صلى الله عليه وسلم) - ثم ما تلاه من العصور، وإلى قيام الساعة. بيد أن معجزاته – (صلى الله عليه وسلم) - لم تقتصر على القرآن الكريم، فقد أعطي مثل ما أعطي إخوانه من الأنبياء السابقين من المعجزات الحسية، بل أكملها، وأجلها حتى فاق الجميع – (صلى الله عليه وسلم) -، كانشقاق القمر، ونبع الماء الطهور من بين أصابعه – (صلى الله عليه وسلم) -، وتكثير الطعام، وانقياد الشجر له، وشكوى الحيوان له، وحنين الجذع إليه، ونطق ذراع الشاة المشوية، وشفاء مصروع، ورد عين سقطت من مكانها، وغير ذلك كثير. وعلى الرغم من وضوح تلك المعجزات، وورودها بالقرآن الكريم، والأحاديث النبوية المتواترة، فقد أنكرها الجاحدون من أعداء الإسلام، من الملاحدة والمستشرقين، والعقلانيين، الماديين، ومن سار على نهجهم من أقطاب المدرسة العقلية الأوربية الحديثة في العالم الإسلامي تارة بتأويلها، وأخرى بإثارة الشبهات في وجه دلالتها على صدق النبي – (صلى الله عليه وسلم) -، وثالثة بعدم الإقرار بمعجزات للنبي – (صلى الله عليه وسلم) - سوى القرآن الكريم. أما الذين كتب الله لهم الهداية والتوفيق، من صحابة رسول الله – (صلى الله عليه وسلم) -، والتابعين، وتابعيهم بإحسان، إلى يومنا هذا، فقد ازدادوا بها إيماناً مع إيمانهم، ويقيناً بما هم عليه من الحق.لقد توصل هذا البحث إلى النتائج الآتية :-1-بعث الله تعالى الرسل وأيدهم بالمعجزات دليلاً على صدقهم،وحجة على أقوامهم، وتثبيتاً لأتباعهم، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.2-كانت معجزة كل نبي من جنس ما برع فيه قومه، فقد برع قوم عيسى في الطب، فكانت معجزته إبراء الأكمه والأبرص، واشتهر العرب في الجاهلية بالفصاحة والبلاغة، ومن ثم كانت معجزة محمد – (صلى الله عليه وسلم) - القرآن الكريم.3-القرآن الكريم هو معجزة الرسول – (صلى الله عليه وسلم) -العظمى، وهو كتاب معجز، لا يخلق على كثرة الرد، ولاتنقضي عجائبه إلى يوم القيامة. 4-أعطى الله تعالى محمداً – (صلى الله عليه وسلم) - معجزات حسية فاقت ما أعطاه غيره ممن سبق من إخوانه النبيين.5-جاء التعبير القرآني عن المعجزة بألفاظ مثل: [الآية – البينة - البرهان]، ثم جاء التعبير بلفظ المعجزة متأخراً، ولذا كان لابد من قيده ببعض الشروط التي تجعله منطبقاً على آيات الأنبياء، متميز عن سائر الخوارق الأخرى.6-لا يختلف مفهوم المعجزة فى الفكر المسيحي عنه لدى المفكرين المسلمين، غير أن الخلاف واقع بشأن الاعتقاد في صاحب المعجزة، ففي المسيحية صاحب المعجزة وخالقها هو المسيح، بينما في عقيدة المسلمين: تجري المعجزة على يد الرسول – (صلى الله عليه وسلم) - وهي من خلق الله تعالى تصديقاً له.7-خوارق العادات عند المسلمين متعددة، منها: [المعجزة – الكرامة – المعونه – الإهانة - الاستدراج]، وقد ذكر المفكرون المسلمون الفوارق بين المعجزة، وغيرها من خوارق العادات، بينما لم يتعرض مفكرو المسيحية إلا للمعجزة فقط، ولم يفرقوا بينها وبين الخوارق الأخرى.8-ذكرت الأناجيل معجزات كثيرة،نسبتها للمسيح - عليه السلام -، لا يمكن إثبات صحة نسبتها له بسبب عدم صحة نصوص تلك الأناجيل متناً، لكثرة ما أصابها من الخطأ والتحريف، والتبديل، وانقطاع السند بين مؤلفيها، وبين المسيح - عليه السلام -.9-ضابط الإيمان بمعجزات المسيح هو ورودها في القرآن الكريم، وننكر ما لم يرد منها في القرآن الكريم، وما كان له أصل في القرآن الكريم، توجد له تفاصيل لم ترد في القرآن نؤمن بأصل المعجزة، ونتوقف في التفاصيل دون تصديق أو تكذيب.10-لا يمكن الاستدلال بالمعجزات الحسية في المسيحية على صدق نبوة المسيح عليه السلام، لعدم صحة الأناجيل المعتمدة لدى المسيحيين، وضياع الإنجيل الأصلي.11-المعجزة ليست الدليل الوحيد على صدق الرسول، بل يضاف إليها أدلة أخرى مثل: سيرته، وأخلاقه، وما يدعو إليه، والإرهاصات السابقة على نبوته، وتبشير من سبقه من الأنبياء به.12-إنحراف النصارى في استدلالهم-من خلال المعجزات - على ألوهية المسيح - عليه السلام -، على الرغم من ان المسيح لم يدع أنه خالق المعجزات، بل يجتهد في الابتهال والتضرع إلى الله تعالى حتى تحدث المعجزة، ثم يشكره سبحانه عقب حدوثها، وهو ما يتنافى مع مقام الألوهية.13-لقد حفظ لنا القرآن الكريم الكثير من معجزات الأنبياء السابقين، وعلى رأسهم المسيح - عليه السلام -، لذا كان لزاماً على النصارى أن يرجعوا إلى القرآن، إذا ما أرادوا الوقوف على معجزات المسيح - عليه السلام -، فهو كتاب معجز، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.14- المعجزات الحسية خارجة عن دائرة البحث العلمي، ولا يمكن للعلم الحديث أن يخضعها لتجاربه وأبحاثه، لخروجها عن نظام الكون، وقوانينه الطبيعية، وهي حق سواء أيدها العلم، أم لم يؤيدها.15-المعجزات في المسيحية غير مقصورة على المسيح - عليه السلام - بل مستمرة الحدوث على يد أتباعه من الرسل والتلاميذ والقساوسة والبطاركة، وحتى اليوم، بينما المعجزات الحسية في الإسلام قد انتهت بوفاة الرسول – (صلى الله عليه وسلم) -، وما يحدث على أيدي أتباعه من الخوارق يسمى كرامات، وستظل موجودة لطاعتهم للنبي – (صلى الله عليه وسلم) - وصدق اتباعهم له، ولا تعارض بينها وبين المعجزة.16-رأي الفلاسفة في دلالة المعجزة رأي خاطئ, لأنه قام على نظرية فلسفية، يونانية فاسدة، وهي نظرية: الأفلاك والعقول، أو [نظرية الفيض الأفلاطونية].17-دلالة المعجزة على صدق النبي في الإسلام دلالة قطعية، وهي دلالة: [عادية، وضعية، عقلية] في آن واحد.18- تهافت شبهات منكري النبوات عموماً، أو نبوة محمد – (صلى الله عليه وسلم) - خاصة من الملاحدة والمستشرقين، ومن تبعهم من مفكري الإسلام، وقد تم تفنيدها ودحضها بالأدلة القاطعة، والبراهين الساطعة، ولله الحمد.19- المعجزات الحسية لنبي الإسلام – (صلى الله عليه وسلم) - منها متواتر، ومنها آحاد، ولكن حتى خبر الواحد إذا ضم إلى خبر آخر، صارت تلك الأخبار في قوة المتواتر [التواتر المعنوي].20- تأويل المعجزات الحسية هو صرف لها عن معناها الحسي القريب إلى معنى آخر بعيد، دون دليل، وهو يعد إنكاراً لها، حيث يفقدها المعنى الإعجازي، ويجعلها شيئاً عادياً.21- الآيات التي طلبها المشركون من النبي محمد – (صلى الله عليه وسلم) -، ولم يستجب الله تعالى لطلبهم، وكذلك ما كان من عدم استجابة المسيح - عليه السلام - للفريسيين عندما طلبوا منه آية من السماء، كل ذلك ليس دليلاً على عدم وجود معجزات حسية فى المسيحية أو الإسلام، بل دليل على حكمة الله تعالى، ومطلق إرادته في عدم الاستجابة لطلبهم.