وصف الكتاب:
في مملكةٍ بعيدةٍ يحدها البحرُ العظيمُ من الجنوبِ وجبالُ الملحِ من باقي الجهات، لم يكن هناك حاكمٌ.. فقط بيوتٌ وبشرٌ يعملون في جبالِ الملح.. شوارعٌ من ملحٍ وبيوتٌ من المَحَارِ.. ورجلٌ واحدٌ يتحكمُ في الأرزاق.. لا قانونَ إلا قانونه، ولا مفرَّ منه إلا إليه. في ذلك الصباح، تسلل شعاعُ الشمس من فتحةٍ بأعلى الجدارِ ليستقرَّ على وجه جيوري، وسرعان ما فتحتْ الفتاةُ الصغيرةُ عينيها العسليتين الواسعتين، قبلَ أنْ ترتسمَ ابتسامةٌ خجولةٌ على شفتيها وهي تنهض من فراشها الذي لم يكن سوى كومةٍ من التبنِ، وراحتْ تنفضُ ما علق بملابسها القديمة من القشِّ، ثم تثاءبت وهي تمسحُ ببصرها كل ركنٍ في تلك الغرفة المتهالكة جدرانها، إلى أن توقفت عند صندوق خشبي قديم مغلق بقفل حديدي يعلوه الصدأ. لحظات مرَّت، قبل أن تنتبه جيوري إلى أنَّ جدتها لم تفتحْ لها بابَ الغرفةِ بعد، كعادتها كل صباح. جرت العادة أنْ تحبسّ الجدةُ حفيدتَها في هذه الغرفة منذ غروب الشمس حتى شروقها، فحين يرسلُ ذلك النجمُ المحترقُ آشعته تأتي الجدة «توسكا» فتضع المفتاح في فتحة بمنتصف الباب وتديره ثلاث مرات، قبل أن تستمع جيوري لصرير الباب الخشبي العتيق، الذي يكبرها بمئة عام كاملة.. مئة عام! نعم.. لقد تجاوزتْ صغيرتـُنا عامها الثاني عشر ببضعة أيام، بينما بنى جدُّها الأكبرُ هذا المنزلَ قبل مئة وأحد عشر عامًا بالتمام والكمال. بناه في جبالِ الملحِ قبل أن يأتي الآخرون ليستوطنوا المكانَ، ليستخرجوا الملح ويصحنوه في آوانٍ خشبية عملاقة يغوص فيها الرجل طويل القامة فلا يظهر منها رأسه، ليظل يدقُّ ويصحن الملح، قبل أن يأتي رجال آخرون فيملؤون الأجولة المصنوعة من خيوط الكتان بمسحوق الملح، ثم يحملونها على عرباتٍ خشبيةٍ ليبيعوها في المدن والممالك المجاورة، مقابل قطعِ الذهبِ ودقيقِ القمحِ وأشياءٍ أخرى.. قبل عامين لم تكن جيوري في مثل هذه الحال، كانت فتاة سعيدة لأبوين مرحين، لم تمنعهما رقة حالهما عن تدليل فتاتهما وتوفير كل ما تحلم به مَن في مثل عمرها... ــــــــــــــــــــــــــ من رواية «جيوري وراء الشمس»