وصف الكتاب:
من الفصل المعنون بــ "كل شيء كما الجحيم" نقرأ: شحم صوتها يُلطخ الجدران.الغضب يقفز منه إلى النوافذ والشرفات. والقهر فيه يهاجم المداخل والمخارج. يتردد الصدى بيّنًا مرجرجًا للأساسات الرصينة المتربعة بطرف، والمُعنونة بفيلا "حسن الطاهر". - أعلم أنك بالداخل، لا داعي لأن تتنكر، أخرج وإلا سأخلق لك في كل دقيقة فضيحة بين جيرانك البهوات. يقف الخَدم بالداخل مبهوتين، يراقبون سيدهم المتسمر أمام باب الشرفة، متمليًا الخارج بملامح محايدة، ونفس مطمئنة راسية. يرتشف سيجاره على مهل، بينما ضوء النجف الفخم والمائل إلى الحُمرة، يعكس على شعراته البيضاء ألقًا مهيبًا. يتكرر الصوت في حشرجات متقطعة دامية، الصراخ يستنزفها نزفًا. اخررج، اخررررج، وكفاك كذبًا أيها الحقير العجوز. تبتلع ريقًا بطعم الذل، ثم تقول: اخرررج، بحق مائك الذي كان يومًا في رحمي، بحق سريرك المفروش بشهقاتي. الباشا منزرعًا باستقامة بين دخانه، الخدم يحدقون، وهي تتمرغ طينًا ووهنًا، بينما نبرتها انشرخت وظهرها زاد على انحنائه ثِقلًا. "اخررررج".. معجونة بنحيب من فوّت كل مواعيد لقاءاته مع نفسه. يسود الصمت لوهلة. الباشا يتحرك من موضعه، يشير بإصبعه لأحد الخدم المشدوهين، يتفوَّه بهدوء لا يكاد ينفرج فيه ما بين شفتيه: أدخِلها. ثوانٍ، وتمثل أمامه، وبرفة أنملة منه يتبخر حشد الخدم، فلا يبقى سواهما تحت النور المُلتهب، والمنبعث من سقف الفيلا الملحمي البعيد، ضوء لا يَرى ولا يُرى. يستفيض ولا يُفيض.