وصف الكتاب:
كان الظَّلامُ قد بدأَ في الحلول، وأخذَتْ أضواءُ السَّيَّارات الضَّخمة تظهر أكثرَ وضوحًا عندما اعتدل "مَحروس" في وضع جلسَتِهِ الذي طال، ولم يدْرِ إلَّا وقد بدأ لا يشْعُرُ بمؤخِّرَتِهِ وهو جالسٌ على حَجَرِ الرَّصيف البارِد. جَلَب تغيير الوَضع قشعريرة بَردٍ سَرَت في جَسَده، وشَعَر بالجوع يَشتَدُّ عليه؛ فهو لم يتناوَلْ شيئًا مُنذُ عُلبة ’’الكُشري‘‘ التي التهَمها بنَهَمٍ شديدٍ بُعَيدَ صلاة الظُّهر عندما أن عادَ من ’’شُغلانةٍ‘‘ صغيرة لم تستغرق سوى ساعتين. هَفَت نفسُهُ إلى ’’عربيَّة‘‘ البطاطا التي بدأ الحَطَبُ الأحمرُ المُلتَهِب في فُرنِها يظهر بوضوح في الغروب، وكأنَّهُ باطِنُ الأرض الذي تغلي بداخِلِه الحِمَم. يقترب "محروسُ" من عامِهِ الرَّابع والعشرين وقد جاء مُنذُ أكثر قليلًا من سنة إلى القاهرة قادمًا من ’’كفر الزيَّات‘‘، حَيثُ لم يعُد يوجد عَمَلٌ له، وقال له ابن خالته ’’محمَّد عبد التَّوَّاب‘‘ الذي سبَقَه في النزوح بسنتين: إنَّه يُمكن أن يعملَ في المِعمَار في هذه المنطقة الجديدة من شَرق القاهرة المعروفة ’’بالتَجَمُّع‘‘، حيثُ أحياءٌ بكامِلِها لا تزال تحتَ البناء أو التَّشطيب، يملِكُها مهاجرونَ مثله تركوا مصرَ ليعمَلوا في بلاد الخليج، ويُرسلوا إلى أُسَرِهِم كلَّما استطاعوا بِضعَ عَشراتٍ أو بضعَ مئاتٍ من الألوف، كُلٌّ بحسَبِ مَقدِرَتِهِ؛ لاستكمال البناء.