وصف الكتاب:
إن الانحطاط والضعف اللذين عليهما المسلمون شيء عام لهم في المشارق والمغارب لم ينحصر في جاوة وملايو، ولا في مكان آخر، وإنما هو متفاوت في دركاته، فمنه ما هو شديد العمق، ومنه ما هو قريب للغور، ومنه ما هو عظيم الخطر، ومنه ما هو أقل خطرًا. وبالإجمال حالة المسلمين الحاضرة ولا سيما مسلمي القرن الرابع عشر للهجرة أو العشرين للمسيح، لا ترضي أشد الناس تحمسًا بالإسلام وفرحًا بحزبه، فضلًا عن غير الأحمسي من أهله. إن حالتهم الحاضرة لا ترضي؛ لا من جهة الدين، ولا من جهة الدنيا، ولا من جهة المادة، ولا من المعنى، وإنك لتجد المسلمين في البلاد التي يساكنهم فيها غيرهم متأخرين عن هؤلاء الأغيار لا يساكنهم في شيء إلا ما نزر، ولم أعلم من المسلمين من ساكنهم أمم أخرى في هذا العصر، ولم يكونوا متأخرين عنهم إلا بعض أقوام منهم؛ وذلك كمسلمي بوسنه مثلًا فإنهم ليسوا في سوي مادي ولا معنوي أدنى من سوي النصارى الكاثوليكيين، أو النصارى الأرثوذكسيين الذين يحيطون بهم، بل هم أعلى مستوى من الفريقين،١ وككثير من مسلمي الروسية الذين ليس المسيحيون الذين يحاورونهم أرقى من الطوائف المسيحية التي تساكنهم، ولا خلاف في أن مسلمي الصين إجمالًا على تأخرهم هم أرقى من الصينين البوذيين، هذا إذا كانت النسبة بين الفريقين باقية كما كانت قبل الحرب العامة، وفيما عدا هذه الأماكن نجد تأخر المسلمين عن مسايرة جيراهم عامًّا مع تفاوت في دركات التأخر. ويقال: إن العرب في جزيرة سنغافورة هم أعظم ثروة من جميع الأجناس التي تساكنهم حتى من الإنكليز أنفسهم بالنسبة إلى العدد، ولا أعلم مبلغ هذا الخبر من الصحة، ولكنه على فرض صحته ليس بشيء يقدَّم أو يؤخر في ميزانية المسلمين العامة. ولا إنكار أن في العالم الإسلامي حركة شديدة، ومخاضًا عظيمًا شاملًا للأمور المادية والمعنوية، ويقظة جديرة بالإعجاب؛ قد انتبه لها الأوروبيون وقدروها قدرها، ومنهم من هو متوجس خيفة مغبتها، لا يخفى هذا الخوف من تضاعيف كتاباتهم، إلا أن هذه الحركة إلى الأمام لم تصل بالمسلمين حتى اليوم الأول إلى درجة يساوون بها أمة من الأمم الأوروبية أو الأميريكية أو اليابان.