وصف الكتاب:
الغد الذي ينظر له الإنسان هو ما يواجهه في كل يوم يعيشه، فجميعنا ذاهب إليه وسوف نمضي ما تبقى من حياتنا فيه. فاستشراف المستقبل سلوك بشري قديم، وخاصية إنسانية عميقة لمواجهة التحديات الجديدة، بل جزء متين من تركيبتنا، ففى لاشعورنا الجمعي، وفى تجاربنا عالم متسع نرحل إليه وقتما نشاء. كثيراً ما نبتدع لأنفسنا نطاقاً نرحل خلاله في لحظات إلى عوالم في المستقبل، نسافر في رحلات مستمرة، نقوم برسم أحلامنا ومخاوفنا وطموحاتنا. اهتمام الأفراد العاديين من خلال سعيهم إلى تحسين وضعهم دائمًا نحو الأفضل هو تفكر يقع في لحظات المستقبل، وعندما تريد ان تنطق بكلمة أو جملة فهى تقع في نطاقات المستقبل وبمجرد النطق بها تصبح في الزمن الحاضر ومن ثم تتحول فيما بعد إلى الزمن الماضي. وإذا أردت ان تعرف ماضيك أنظر في أوضاعك الحاضرة، أما إذا أردت ان تعرف مستقبلك فانظر في أفعالك الحاضرة بدقة قبل ان يأتيك فجأة. ونحن لا نكتفى بالإقامة في المستقبل، بل قادرون أيضًا على استحضار واستشراف أبعاده ومضامينه وتشكيله.إذن معظم حياتنا نقضيها في المستقبل نفكر فيه ونحركه ونستخدمه، ونضيعه ونهينه أحياناً،هذا على مستوى الأفراد والجماعات والمجتمعات. أما على مستوى العلوم الإنسانية والاجتماعية فعلى الرغم من تقدميتها كانت تتجه بشكلٍ واعٍ نحو الماضى أكثر من المستقبل، وعندما جرى توجيهها نحو ما هو آت، كانت مدفوعة بشكل رئيس بفلسفة إنسانية تجريدية. كما كانت العلوم الإنسانية والاجتماعية حوامل بصياغة المستقبل البشري بالنظريات والتطبيقات والنتائج والتوصيات، فحين نقول عن علم الإنسان إنه نسق نظري، فقد قصدنا أن غايته الكشف والتفسير الموضوعى للحوادث والظواهر أو القضايا والتنبؤ بها، وحين نتكلم عن النجاح الذي أحرزه ، فالمقصود بذلك نجاح تنبؤاته القائمة على تأييد البحث أو الدراسة لقوانينه والعكس.