وصف الكتاب:
ولم تمر سوى أيام حتى جيء بقرة العين إلى قصر الوالي العثماني. و كان جالساً على كرسي عالٍ يتناسب مع منصبه، مرتدياً ثياباً تبدو عسكرية ولكنها ثياب السلاطين المترفين، وتغطي النياشن صدره و تصطف الأزرار الذهبية إلى نهاية بطنه، وهو يُلقي على كتفيه قفطاناً مارونياً منمنماً بخرز ومطرزاً بنقوش تستقيم بخطوط وتلتف حول بعضها دون أن تتقاطع. كانت أكتافه مرفوعة باشياء يغطيها القفطان المفتوح لتوحي بعظمة وحجم جسده، يلف على رأسه عمامة كبيرة تختلط فيها ألوان الأقمشة الحريرية وتتدلى منها شذرة فيروزية. كان الزي الذي يرتديه الوالي العثماني، يُذكر الناس بولاة بني العباس من جهة، وبالثياب الرومانية من جهة أخرى، وكأن بني عثمان يضعون قدماً في الغرب وأخرى في الشرق. قال الوالي لقرة العين: مالذي تريده إمرأة مثلك من الناس؟ قالت: أريدهم أن يعرفوا دينهم. قال لها: وإذا عرفوا مالذي سيحدث؟ قالت: سيحدث الكثير!! مثلا... قال وهو يمسد لحيته. قالت: ربما سيعمّ العدل وتعمّ الحرية ويتطور المجتمع. قال: لا أظن أن الناس يتطورون إذا اخبرتيهم أن هناك رجلاً أسمه الباب يلتقي بالأمام المهدي. قالت: نعم، لا يحدث التطور إذا كان هكذا. ولكن هذا الباب سيحرر الناس من رجال الدين وأمثالهم، ويطلق سراح المرأة من سجن المجتمع، سيجعل الدين في سبيل الناس لا في سبيل الله، لأن الله لا يحتاج إلى الناس، الله كامل وهو الكمال.. الله (غني حميد). قال الوالي: ولكن الله خلق الناس من أجل أن يعبدوه.. وهناك آية صريحة بهذا الأمر. قالت: أحسنت، من أجل أن يعبدوه.. لا من أجل أن يتحولوا إلى عبيد، وهناك فرق بين أن تتعبد لتشعر بالحرية، وبين أن تتحول إلى عبد. أصيب الوالي بخيبة أمل، فهو لا يحب نساء من هذا النوع، لا يحب المرأة التي تجادل، يحب المرأة الجارية.. المرأة التي تغض الطرف وتقول بحياء: (مولاي...) بطريقة شبقة ولينة فتجعل منه أسداً يهم بافتراس حمل.