وصف الكتاب:
صدرت حديثا موسوعة الديار المغربية بثلاثة أجزاء على يد المؤرخ الأردني محمد عبده حتاملة، المعروف باهتمامه بتاريخ الأندلس والمغرب، وهو يقصد بالديار المغربية بلاد المغرب العربي الواقعة في شمالي إفريقيا غرب مصر، وهي ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا. أما التركيبة السكانية لهذه البلاد، فقد عُرفت بأسماء مختلفة، إذ تعرضت للامتزاج البشري بفعل الهجرات والغزوات التي تعرضت لها هذه البلاد، ومن العناصر البشرية الرئيسية التي عرفتها المنطقة؛ الأفارقة والبربر والروم، ثم العرب المسلمون الفاتحون. وتؤلف بلاد المغرب وحدة جغرافية بشرية متميزة عن بقية أجزاء القارة الإفريقية، لذلك عُرفت في القرن التاسع عشر باسم (إفريقيا الصغرى) أو (بلاد أطلس). وتبلغ مساحتها نحو ستة ملايين كيومتر مربع. ارتبط مصطلح «المغرب العربي» بالأوضاع الأساسية أو الأوضاع الإدارية، بينما اعتمد ابن حوقل على الحواجز الطبيعية، بينما استند المراكشي في تعريفه للمصطلح على الجانب البشري. وفي بداية القرن التاسع قبل الميلاد، بنى الفينيقيون مدينة قرطاج (قرطاجنة)، فازدادت الصلات بين الفينيقين والبرير، وانتقلت بلاد المغرب من إطارها المحلي إلى معترك التطورات السياسية الدولية في حوض البحر المتوسط. ولم يطل مقام البيزنطيين في بلاد المغرب حتى تعرضوا لمشكلات كثيرة، لعل أهمها ثورات كثير من قبائل البربر ضدهم، وذلك بسبب فساد سلوكهم مع السكان الأصليين، وتوجهت أنظار المسلمين لفتح شمالي إفريقيا (مصر وبلاد المغرب) في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، الذي وجه عَمْراً بن العاص لفتح مصر سنة 19 هجرية/640 ميلادية، ففتحها ووقع مع البيزنطيين معاهدة. تمكن الفاطميون من القضاء على الكيانات العديدة التي أقيمت في بلاد المغرب وتقاسمت قبائلُ البربر المغرب الأقصى، الذي ظل بعيدا عن نفوذ الفاطميين، وكانت خطة الإسبان والبرتغاليين تقضي بتطويق المغرب العربي باحتلال موانئه المطلة على البحر المتوسط، وعندما كان الشعب في بلاد المغرب يبحث عن منقذ، أصبح للقوة العثمانية حضورها في العالم الإسلامي، وكان خير الدين بربروسا وبابا عروج اللذان اتخذا من تونس قاعدة لعملياتهما البحرية أبرز القادة، وقد تمكنا من تحرير سواحل المغرب من السيطرة الإسبانية والبرتغالية. وتشتمل بلاد المغرب العربي على مئات المدن وآلاف القرى، وبعض مدنها معروف مشهور، وبعضها الآخر مجهول لدى الكثيرين من أبناء الأمة العربية، أما قرى البلاد الكثيرة فلا يكاد يعرفها إلا أهلها واللصيقون بها. جاءت هذه الموسوعة (موسوعة الديار المغربية) المرتبة على حروف الهجاء، من ألفها الى يائها، للتعريف بجميع مدن بلاد المغرب وقراها ومعالمها التاريخية، معتمدة على المصادر والمراجع البلدانية والتاريخية والآثارية، وتقارب المائة نقطة، من أبرزها: أجدير، أريانة، أغادير، أفران، باجة، البديع، بنزرت، بنغازي، تاجورة، تطوان، تلمسان، تونس، جبال أوراس، جربة، جرجيس، الجزائر، جندوبة، الدار البيضاء، درنة، الرباط، زغوان، زوارة، سبتة، سرت، سوسة، صفاقس، طبرق، طرابلس، غدامس، فاس، قابس، قسنطينة، القنيطرة، القيروان، الكاف، المحمدية، مراكش، مستغانم، مليلة، المنستير، المهدية، نفطة، ووهران. وكان المؤرخ السوداني دنون طه في وقت سابق، قد اختار جهود بلدين مشرقيين في مجال التاريخ الأندلسي ومصادره، هما العراق والأردن، في محاولة لكشف النقاب عن الجهود الجبارة التي بُذلت في هذين البلدين، والمؤلفات التي كُتبت فيهما عن التاريخين المغربي والأندلسي، وأشار بهذا الصدد إلى أنه على الرغم من وجود عدد قليل من المختصين بالتاريخ المغربي والأندلسي في الأردن، لكن هذا العدد القليل، وعلى محمد عبده حتاملة، الذي درس هذا التاريخ في إسبانيا، قد قام بعمل جبار في هذا المجال، تدلل عليه بحوثه عن التهجير القسري للمسلمين من الأندلس، وكتبه عن التاريخ العام للوجود العربي الإسلامي في الأندلس، مثل: كتاب «آيبيريا قبل مجيء العرب المسلمين»، وموسوعة «الديار الأندلسية»، و«الأندلس: التاريخ والحضارة والمحنة». وقد أعطى حتاملة في كتبه تلك فكرةً موسعة عن موقع وحدود وأقسام ومساحة وشكل أيبيريا، أتبعها بشرح واف لمعالم البيئة الطبيعية المتمثلة بالسطح والمناخ، بهدف التعرف إلى نشأة المجتمع الإسباني البدائي، ثم المجتمع الكلتي الأيبيري، ثم البحث بشيء من التوسع في أثر الفينيقيين في المجتمع الإسباني، لأن هذا المجتمع لم يتنسم عبير الهواء إلا في العهدين الفينيقي والقرطاجي، وأوضح حتاملة الأثر الديموغرافي للفينيقيين القرطاجيين في آيبيريا، والأثر الحضاري وثيق الصلة بالتاريخ العربي، وجذوره المشرقية، مثلما لخص أحوال إسبانيا قبيل الفتح العربي الإسلامي من الناحيتين السياسية والدينية، وعاد إلى الجذور الأصلية التي أثرت في المجتمع الإسباني، مما شكل أرضية جغرافية تاريخية ضرورية لدارس تاريخ الأندلس في العصور الإسلامية. ولمّا كان حتاملة قد أدراك خلو المكتبة العربية والإسبانية من موسوعة شاملة ومتكاملة عن المواقع والمدن والمعارك الأندلسية، فقد أصدر مجلدين كبيرين بلغ عدد صفحاتهما 1336 صفحة من القطع المتوسط باسم «موسوعة الديارالأندلسية»، كانا ثمرة جهد استمر سنوات طويلة قاربت على أربعين عاما، منذ أن بدأ حتاملة اهتمامه بتاريخ الأندلس حينما كان طالبا في جامعة كومبلتنسي في مدريد، والتي حصل منها على شهادة الدكتوراه عام 1969.