وصف الكتاب:
حمّام السوق شعبي للنساء فقط: أشد ما تفزعني عندما أرسم ذلك الحمام العتيق من جديد باسترجاعه من الذاكرة، حينما صحبتني أمي معها قبل أربعين سنة. كيف أخطط الآن بقلم الفحم أجساد نساء طقس الاستحمام في قيامتهن الشتوية؟ كل أم كانت تحمل صرة ملابس وخاوليات وبرتقالة وطين خاوة وعود الديرم وحجر صخري وليف الخيزران. هو سرب نسوة من أمهات الحي في طريقهن إلى حمّام السوق الشعبي. إنها حفلة التطهر والجمال والأنوثة في تجلياتها الكبرى في ليلة الجمعة المباركة. واضحة وجلية كما المرمر أو حجر الصوان. يجترح قلم الفحم تلك الأجساد الطاهرة وتكوراتها، بينما أحاول استذكار كل ما في حمام الذاكرة من تفاصيل فيه من دكة الإسمنت إلى أحواض الماء الحار والبارد حتى تفاصيل المرأة المدلّكة. عندما كنت طفلا أتيح لي دخول جنة النساء هذه في قيامتهن المائية بيوم جمعة شتائية قارصة. ومرة أخرى في ليلة العيد الكبير. ارسم بقلم الفحم الآن جحيما منعشا لقشط الجلود وترميمها بآيات من الجمال الأرضي الناقع من رغوة الصابون وماء الورد والمسك معفرا بالزعفران، وسط غابة من الضباب وجنة حوريات الأرض من الأمهات. ___________________________________________