وصف الكتاب:
تحولت فيروز في الآونة الأخيرة إلى رمز يحمل معاني كبيرة على مستوى لبنان والوطن العربي . فخلال الأزمة اللبنانية عام ( 1975 م ) ، وحتى عام ( 1990 م ) انقسمت بيروت إلى قسمين شرقية وغربية ، ولقد وصل في ذلك الوقت عدد التنظيمات بأفكارها وأشخاصها عن تحقيق وحدة بيروت .. ولكن بصوت وبشخص فيروز بقيت بيروت موحدة ، وكان صوتها مثل الأكسجين الذي يزود الرئتين ببيروت الشرقية والغربية ، فاستمرت الحياة بشخص واحد . فيروز وحدها كانت تنتقل بين فوهات بنادق الطرفين على الخط الفاصل ، ولا تجد هذه البنادق إلا الإنحناء إجلالاً واحتراماً لهذه السيدة العظيمة ، لقد استطاعت فيروز بصوتها ، وخطواتها أن تحقق وحدة بيروت ، بل وحدة لبنان كله خلال الأزمة التي عصفت بلبنان ؛ فهي أيقونة المحبة وعطر الشرق . فمع فيروز تتلاشى الحدود ، وتذوب الفوارق ، وينام الحزن ، ويسافر الهم ، ويرحل الحقد ، ويدخل النور إلى القلوب المعتمة ، وتتسلل السعادة إلى الكيانات المنهكة من ظلم الكثيرين ، وتبدأ أبجدية الحياة بكتابة أصحاح جديد في سفر تكويننا ، سفر خالٍ من خيانة " يهوذا " وسذاجة " بيلاطس البنطي " . ومن كذب " مسيلمة " . وإذا كان " أبولو يجسم " قد جمع في الحضارة الإغريقية جميع القيم الحضارية عند اليونان ، فإن فيروز فعلت الشيء ذاته في حضارتنا العربية . فيروز كيان أفرطت العناية الإلهية بالعطاء له ، فأنعمت عليه بصوت مميز ، فجماله أعلى من صوت البشر مكانة ، وأدنى من صوت الملائكة درجة . ولهذا جاء إسم الكتاب ( فيروز سفيرة المحبة ) ، ولهذا فقد نقلت لنا المحبة من منابعها الأصلية ، مرة أحيتها في قلوبنا ، ومرات كثيرة زرعتها على بيادر نفوسنا . خاطبت البشرية من خلال منظمتها الدولية من عدالة تقسيم الإرث بين أبناء هذه القرية الصغيرة التي تسمى الكرة الأرضية ، غنت للطفولة في سويسرا ، وللحرمان في الكثير من أغانيها . كانت صرخة بوجه الظلم ، ولا يزال صدى صوتها يضرب أبواب القلوب المتجمدة ، وجودها التفسير المعاكس لك ما هو سلبي معمول به ، واجهة حضارية ، وصرخ شامخ في لبنان والوطن العربي . فصوتها بحدّ ذاته يعدّ منبراً فكرياً تشع منه أجمل الكلمات ، وأمتن الأفكار ، ومع الزمن فصوتها بحدّ ذاته يعدّ منبراً فكرياً تشع منه أجمل الكلمات ، وأمتن الأفكار ، ومع الزمن كبرت لتصبح صالوناً فكرياً ، وحلقةً أدبية ، أغدق عليها أدباء العرب ، ومفكروهم دُرَرهم النفيسة لتقدمه لنا كهدية جميلة مع إشراقة كل صباح ، ومع رحيل كل يوم ، وبهذه الدرر فعلت بنا فيروز أكثر مما فعله إزميل " مايكل أنجلو " بصخور فلورنسا ، ورسمت على جدار قلوبنا لوحات تفوق مجال لوحات " ليوناردو دافنشي " ، و " رفائيل " ، و " كلود مونيه " ، . ومع زياد جعلت جزءاً من كياننا سريالياً تضاهي به سريالية " سلفادور سالي " . علاوة على ذلك كانت دَمِثة الخُلُق ، وفية في صداقتها ، وسميحة النفس ، ونقية القلب ، وعريضة الثقافة ، وتاج كل ذلك كانت طاهرة الجسد . كل ذلك جعل من مجمل أعمالها بعيداً للذوق السليم . [ ... ] وإلى هذا .. فالكتابة عن فيروز ليس بالعمل السهل ، فهي امرأة غير عادية ، تحضر إلينا كل صباح ، تجلس معنا مع فنجان القهوة ، تشد من عزمنا قبل الخروج من البيت ، تعطينا الأمان والراحة النفسية مع كل مواجهة تعترضنا .. تعقم جروحنا من عنف الغدر ، وتمسح الدمع من عيوننا المتعبة .. فلا غرابة إذا ما رسم المؤلف كتابه بـ " فيروز سفيرة المحبة " إذ هي نقلت لنا فلسفة المحبة بكل ما تحتويه الكلمة من معنى . وأما ما اشتمل عليه الكتاب في فصوله الثمانية ، فقد تضمن المواضيع التالية : سفر التكوين الذي جاء بمثابة سيرة ذاتية ، وتبع ذلك فصل حول عاصي ومنصور بحكم طريقهما المشترك وفيروز ، وتم تخصيص الفصل الثالث للحديث عن زياد الرحباني بحكم الأمومة ، أما الفصل الرابع فجاء عن أولئك الذين منحوا فيروز الكلمة واللحن خارج أمبراطورية الرحابنة . وتحدث الفصل الخامس عن المحبة وهذا الموضوع الذي شكّل جوهر الكتاب ، ودار الفصل السادس حول التمو صديق فيروز العزيز ، وتم سرد قصة الزمن ، الذي نمر برحلتنا الوجودية عبر فراغه ، وذلك في الفصل السابع ، وحول الأغنية الدينية التي تميزت بها فيروز جاء الفصل الثامن والأخير . ويشير المؤلف إلى أن هناك جوانب كثيرة تتعلق بفيروز ، مثل الوطن ، القضية الفلسطينية .. وهذه المواضيع ستشكل محاور الجزء الثاني من كتابه هذا .