وصف الكتاب:
هو الكتاب الثامن للمؤلّف ضمن جملة مؤلّفات له بعنوان “سلسلة تاريخ لبنان المعاصر”. ويصدر في إطار الاحتفال بمئوية لبنان الكبير، وهو يطرح إشكاليّته، ويقدّم بذور الأجوبة عنها، فيقول (ص11): “إن قيام لبنان الكبير على ما اكتنفه من صعوباتٍ والتباسات، كان بحدّ ذاته تقويضاً لمشروعَين منافسَين: سوريا الكبرى وإسرائيل الكبرى. وما كان، أو بالحري ما اعتُبر، بالأمس خطأ، هو اليوم حاجة ماسّة للعالمَين العربي والإسلامي، وسقوط التجربة اللبنانية، لا سمح الله، يعني ببساطة أن الإسلام المعاصر غير قادرٍ، حتى اليوم، على العيش مع آخر مختلف، والتكيّف مع هذا الوضع، وأن الغرب بالتالي محقّ في ما يثير من هواجس الإسلاموفوبيا وغيرها” وممّا يلفت في هذا الكتاب الكرونولوجيا التي ذُيّل بها (ص389-430)، وهي جدول تأريخي مفصّل لأبرز الأحداث في لبنان ومحيطه في الحقبة الحديثة 1516-1950. وعنها يقول الكاتب في المقدّمة (ص15): “الجداول التأريخية للأحداث نجدها في معظم المؤلّفات التاريخية الغربية، في حين تغيب عن الأعمال العربية المماثلة. والنتيجة أخطاء في التواريخ ونقصٌ في الدقّة والتدقيق”. والباب الأوّل يتناول وجوهاً وأعلاماً من لبنان الكبير. ويستوقفنا الفصل المخصّص لأمير البيان شكيب أرسلان ودوره الملتبس خلال الحرب الكونية (ص37-71). والباحث يعرض الرأي والرأي المضادّ في هذا الصدد، ويحاول أن يغربل الروايات وينقدها ليخرج بما يراه الأقرب إلى الوقائع، فيورد شهادات مصادر ومعاصرين تنقد دوره في الحرب العالمية الأولى ومسألة الشهداء، مثل إميل حبشي الأشقر، وأخرى تثني على هذا الدور، مثل الصحافي والوزير ميشال زكّور، كما يتوسّع في إيراد شهادات ذوي الشهداء، ولا سيما عائلتَي سعيد عقل، وفيليب وفريد الخازن، وبعد القراءة النقدية يخلص (ص64): “لا نستطيع أن نتّهم أمير البيان تهمة صريحة بالتورّط، بيد أنّنا بالمقابل لا نملك ما يجعلنا نرفع التهمة عنه” وفي الفصل المخصّص لالياس طنّوس الحويّك، يمعن الكاتب التأمّل في زيارة مندوب الأمير فيصل في مؤتمر الصلح إلى البطريك الحويّك في باريس في 23/8/1919، ويحاول أن يستخلص منها مسعى أوّلي للتفاهم أجهضه الفرنسيّون (ص79). ويتبسّط في البحث في حادثة مجلس الإدارة 10/7/1920، ويخلص إلى (ص84): “لا يمكن أن تُقرأ حادثة مجلس الإدارة إلا ضمن سياقٍ سياسيّ عامّ أدّى بالنتيجة إلى حسم الفرنسيين خيارهم باتّجاه لبنان الكبير بعد أن استمرّوا يعملون على مشروع سوريا الكبرى طيلة سنة 1919 وبداية 1920”. ويتوقّف في ب2/ف2 عند إشكاليّة بارزة وهي أن التغيير السكّاني الحاصل مع قيام لبنان الكبير يطرح سؤالاً مهمّاً: من ضمّ من؟ هل لبنان الصغير هو الذي ضمّ المناطق المجاورة، أم العكس. (ص157). وهنا يناقش طرح المؤرّخ الإيطالي كارلو فاتشي في هذا الشأن، والذي يستعين، في إجابته، بالمعادلة الطبّية المعروفة: نجحت العمليّة، لكن المريض توفّي. بمعنى أن اللبنانيين نجحوا في التحدّي في إنشاء لبنان الكبير والحصول على استقلاله، وفشلوا في بناء دولة الاستقلال وصهر مجموعاتها في شعب واحد، لتأمين بقائها واستمرارها! وهو يشير في الإطار عينه إلى التحالف المزمن بين الطائفيّة والفساد (ص160)، ويحذّر مراراً (ص161): إذا لم تذب الطوائف في لبنان فستقتله. ويلحظ في هذا الصدد أن الانتداب، على قصر مدّته (1918-1943)، كان الحقبة الأكثر سلماً ونتاجاً وإنتاجاً في تاريخ لبنان الحديث والمعاصر والأقلّ فساداً وطائفيّة، وهذا يعني أن اللبنانيين لم يعتدوا بعد على حكم أنفسهم، ويلزمهم المزيد من الوقت كي يعتادوا على ذلك!! ومن خلاصات المؤلّف اللافتة في جولاته العديدة في تاريخ لبنان الحديث (ص205): “تاريخنا ليس تاريخ نزاعات وحسب، بل فيه جوانب مضيئة من السلم الأهلي والعيش المشترك. ولكنّها مع الأسف، لم تلقَ بعد ما تستحقّ من اهتمام ولا بدّ من مقاربة جديدة لتاريخ لبنان تركّز على تاريخ الناس من مختلف الملل الذين عاشوا في تعاون ووئام حقبات طويلة”. إنه طرحٌ جدير بالتأمّل والتبصّر والتدبّر.