وصف الكتاب:
الشيطان الذي يتسيّد فوق العالم بأسره، جاء ذات يوم إلى بست، ووجد مخبأً في منزل متعهد دفن الموتى. وبعد الظهيرة لاحظ المتعهد أن شيئاً في البيت ليس على ما يرام. بدأت مفروشات المنزل تبدي ممانعة؛ فلم يطاوعه الكرسي الذي حاول أن يضعه في مكانه المعتاد منذ خمسة عشر عاماً، ورفضت أقفال الخزائن والدروج أن تقوم بالخدمة الموكلة إليها. واشرأبّ جانب النافذة الكرسيُّ الصغير (الذي اعتادت زوجة المتعهد طوال حياتها، أن تمدّد عليه رجليها، عندما كان لها رجلان) وتسرح ذابلة في فناء الأزهار الكئيب وجدرانه الحزينة وسياجه المهجور. اشرأبّ الكرسي كما يثب على قوائمه كلب كان مستلقياً، ويشرئبّ على ساقي عابر السبيل. وتدلّت ستائر الدانتيل القديمة بلا معنى على النوافذ، وألقت ظلّاً شبحيّاً في الغرفة. كان ظلّاً أشبه بظلّ دخان، أو ظلّ رياح تهبّ فوق الحقول. ولكن لا أثر هنا لدخان أو رياح. الجهامة التي خيّمت على المنزل في ذلك الوقت الباكر من فترة العصر، أربكت الببغاء الذي وضعه متعهد الدفن في قفص، وكان فخوراً بمعلوماته الإنكليزية. أول ما فعله الببغاء في هذه الجهامة أنه راح يطلق الشتائم باللغة الإنكليزية، ثم أخذ يقلّد بكاء الأطفال، ولاحقاً، وسط ذهول المتعهد، راح يتكلم باللغة المجرية: نطق أسماء كان قد سمعها في السابق، وحفظها، ذكر الببغاء أسماء خادمات حافيات سابقات، وهو ينفش ريشه، ويؤرجح نفسه باضطراب يمنةً ويسرةً. ذكر اسم بيرتا، واسم أولغا اللتين مثلتا سابقاً الجنس النسائي في منزل المتعهد، وكانتا تسرحان شعرهما الطويل وتجلسان حول الطاولة، وتضربان وتنفضان الوسادة قبل النوم؛ امرأتان كانت تنانيرهما المتيتّمة في الخزانة، تحتفظ برائحة نسائية نوعية، رائحة الباذنجان والطحين، وعبير المسك. أنذر متعهد الدفن الببغاء أنه سيصفعه، ونظر بارتباك إلى عقرب ساعته الذي راحت يد خفيّة تديره إلى الأمام. لم يبقَ لديه سوى قليل من الوقت ليبدّل ملابسه ويذهب إلى المآتم وقت العصر.