وصف الكتاب:
مدخل لدراسة تاريخ النظم القانونية التاريخ بصورة عامة هو ذاكرة الأمم والمرآة التي تعكس حضارتها في مختلف مجالات الحياة الفكرية،السياسية،الاجتماعية والقانونية، فهو مجموعة النظم التي سارت على نهجها المجموعات البشرية في عصر من العصور، وتعتبر دراسة تاريخ النظم القانونية من أهم الدراسات التي لا يستغني عنها الباحث في الحقل القانوني،حيثأصبحت لها مكانة خاصة في الدراسات العلمية لتاريخ القانون بداية من القرنالتاسع عشر، إذ على ضوئها يمكن معرفة تطور محاولات المجتمعات البشرية في إيجاد قواعد تنظم علاقاتها. 1-التعريف بالنظم القانونية: يعتمد الإنسان على غيره في تحصيل حاجاته اليومية الأمر الذي يجعله يدخل في علاقات مختلفة مناطها القيام بمجموعة من المعاملات مع أفراد المجتمع الواحد، إلا أن ميل الإنسان للطمع وحب الذات قد يضفي على هذه العلاقات صراع متزامن مع تلبية المصالح المتضاربة، ومن ثم فان الحاجة إلى قانون توافقي يشكل ضرورة أساسها تنظيم الحياة الاجتماعية المتسمة بالتطور والإستمرارية، وهو ما استوجب تكييف القواعد القانونية مع مقتضيات هذا التغيير.[1] فمن هذا المنطلق، يمكن القول أن القانون المنظم للمجتمعات الانسانية يمتاز بالتطور اللصيق بهذه الأخيرة، فتفاعل القانون مع المحيط قد ينتج عنه تزامن توافقي مع مستويات الوثبة الحضارية، وعليه فإنه من بين التخصصات العلمية التي يمكن الاعتماد عليها لدراسة ظاهرة القانون هو علم تاريخ القانون، الذي يهتم بدراسة القانون عبر العصور المختلفة مع بيان العوامل والاسباب التي أدت الى تطور مصادره بصفة عامة.[2] 2-نطاق علم القانون: يحتوي نطاق علم القانون على ثلاثة أنواع من المواد: القانون الوضعي، تاريخ القانون، السياسة التشريعية. -القانون الوضعي: هو الذي يهتم بدراسة القواعد القانونية الحاضرة. -تاريخ القانون: هو الذي يهتم بدراسة القانون من حيث التطورات التي مرت بها المصادر والنظم القانونية حتى وصلت إلينا على حالتها الحاضرة. -السياسة التشريعية: تهتم بدراسة القانون من حيث تطوره المستقبلي.[3] 2-أهمية دراسة تاريخ النظم القانونية:بعد ظهور المدرسةالتاريخيةفيألمانياعلىيدالعالمالشهير”سافيني” منتصف القرنالتاسععشر، اكتسبتدراسةتاريخالنظمالقانونيةأهميةمتزايدةتمثلت في الآتي: – إن دراسة تاريخ النظم القانونية تمكننا من الوقوف على مختلف التطورات والتعديلات المختلفة التي مرت بها الشرائع القديمة حتى وصلت إلى حالتها الحاضرة.[4] -لا يمكن فهمبعضالنظمالقانونيةالمعاصرةإلا إذا تتبعنا تطورهاالتاريخي، كالتمييزبينالحقالعيني والحقالشخصيالذييعتبرركيزة الدراسةالقانونيةفيالتشريعات المعاصرة.[5] -و يمكنها أيضا المساهمةفيتنميةالفكر القانوني بتقصي أسبابتطورهافيالماضي، وهو ما من شأنه تمكين الباحث من الوقوف على مدى أصالةبعضالنظم واستشرافمصيرها المستقبلي. – يستعصى فهم النظم القانونية دون البحث عن جذورها، فأي فكرة لا يمكن فهمها جيدا إلا من خلال تاريخها، فمعالجة مختلف الاشكالات العلمية تستوجب البحث في كيفية نشأتها وتطورها المستقبلي، أي أنه لا يمكن وضع نظرية أي موضوع دون فحص تاريخه الذي يمكن أن يساهم في مساعدة الباحث على الالمام بمختلف المجتمعات والحضارات، وفائدة ذلك تكمن في تحديد الطريق الذي يمكن اتباعه لتحسين القواعد والنظم القانونية وتطويرها بالمحاكاة مع تجارب الأمم السابقة.[6] 3-مضمون مادة تاريخ القانون: تتضمن مادة تاريخ القانون نوعين من الدراسة :دراسة تاريخ المصادر القانونية، ودراسة النظم القانونية، أما الأولى فتهدف إلى معرفة القاعدة القانونية من خلال تطورها عبر العصور المختلفة، وبخصوص تاريخ النظم القانونية فهي عبارة عن مجموع القواعد التي تنظم العلاقات القانونية، سواء تلك التي تنتمي إلى القسم العام كنظام الحكم، أو إلى القسم الخاص كنظام الملكية.[7] 4-مراحل نشأة النظم القانونية: يرى بعض الباحثين أن الصورة التي اتخذها القانون في بداية نشأته طبعت بمراحل تطور الانسان، والتي يمكن تقسيمها على النحو الآتي: -مرحلة القوة: كانت القوة المجردة من أي أساس خلقي سمة الحياة البشرية،فهي التي تنشأ الحق وتحميه، إذ لم يكن هناك قانون بالمعنى المعروف حاليا بل مجموعة تقاليد غريزية ولدت شعور بوجود حقوق وواجبات شخصية، اتخذت مظهراخارجيا مناطه استعمال القوة المرتبطة بالطبيعة الغير مستقرة لهذه المرحلة. -مرحلة التقاليد الدينية: في هذه المرحلة ظهرت القواعد القانونية في صورة أحكام الاهية،إذ كان الدين المصدر الوحيد الذي تستمد منه القواعد القانونية قوتها، وهو ما عزز مكانة رجال الدين في المجتمع. -مرحلة التقاليد العرفية(العرف) : انفصل القانون عن الدين في هذه المرحلة، حيث صار العرف المصدر الرئيسي للقاعدة القانونية إلى جانب مصادر أخرى مثل: التشريع، القضاء.[8] -مرحلة التدوين القانوني: بعد اتجاه الإنسان إلى الكتابة لجأت بعض المجتمعات إلى تدوين قانونها بسبب انفصاله عن الدين، كالرومان والاغريق والبابليين، لذلك جاءت أحكام قوانينها بعيدة عن الصبغة الدينية، في حين كانت بعض القوانين تمزج بين القواعد القانونية المدنية والقواعد الدينية والاخلاقية حما هو الحال عند الهنود واليهود والمسلمين. و تميزت المدونات القانونية القديمة بأسلوبها الموجز الشعري، بالإضافة إلى تدوينها لمختلف الأعراف والتقاليد التي كانت سائدة في المجتمع، وقد اكتسبت قوة إلزامية لدى المخاطبين بها لأسباب تعزى إلى نسبتها للآلهة كقانون ” مانو ” الهندي، أو صدورها من حكام عظماء كقانون حمورابي، أو صدورها نتيجة لأحداث سياسية أو اجتماعية، كقانون الالواح الاثني عشر.[9] 5-منهجية الدراسة: سيخصص المحور الأول والثاني لدراسة تاريخ النظم القانونية القديمة بتناول نظم بلاد ما بين النهرين والنظم القانونية الرومانية، وسنتطرق في المحور الثالث للنظام التشريعي الإسلامي، أما النظم القانونية الجزائرية فستدرس في المحور الرابع. [1].عبد المالك سلاطنية، عبد الحميد حراوبية، ساجية حماني، تاريخ النظم في الحضارت القديمة، دار الهدى، الجزائر، 2007،ص.35. [2].محمود عبد المجيد مغربي، الوجيز في تاريخ القوانين، الطبعة الأولى، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، 1979، ص.ص.8-9. [3].دليلة فركوس، الوجيز في تاريخ النظم القانونية، الطبعة الثالثة، دار الرغائب والنفائس، الجزائر، 1999، ص.ص.7-8. 3.عبد الفتاح تقية، دروس في تاريخ النظم القانونية، منشورات ثالة، الجزائر، 2004،ص.7. [5].عكاشة محمد عبد العال، طارق الجذوب، تاريخ النظم القانونية والاجتماعية، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، لبنان، 2002، ص.12 2.دليلة فركوس، مرجع سابق، ص.ص.9-10. 1عكاشة محمد عبد العال، طارق الجذوب، مرجع سابق، ص.13. 2.صاحب عبيد الفتلاوي، تاريخ القانون، الطبعة الأولى، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان الأردن، 1998،ص.55 وما يليها [9].علي محمد جعفر، تاريخ القوانين، الطبعة الأولى، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، 1998، ص.23.