وصف الكتاب:
تشكل الملكية الصناعية الشق الثانيمن الملكية الفكرية، وهي تشمل الابتكارات التي يتوصل إليها العقل البشري من عناصر متصلة بالنشاط الصناعي والتجاري كالاختراعات والعلامات التجارية وتسميات المنشأ. وتخوّل لذويها حق احتكار واستئثار الاستغلال. لذا كان موضوع الملكية الصناعية وحمايتها ومكافئة المخترعين دائماً محل اهتمام المجتمعات والسلطة الحاكمة عبر مختلف العصور، ومع ظهور الثورة الصناعية والاختراعات انتشرت شيئاً فشيئاً أسس حماية الملكية الصناعية في معظم تشريعات دول العالم([1])إلاّ أنّ تطور التجارة الدولية أظهر قصور الحماية التي منحتها التشريعات الوطنية، إذ أنّها حماية محدودة لا يتعدى نطاقها حدود الدولة التي تكرس فيها هذه الحماية. من ناحية أخرى اختلف مضمون وشروط هذه الحماية من تشريع وطني لآخر وهو أمر يتعارض حتماً مع ازدهار واضطراد علاقات التجارة الدوليّة التي تكون الملكيّة الصناعيّة موضوعاً لها([2]). ونتيجة لذلك، ظهرت الحاجة إلى تنظيم هذه الحماية من خلال اتفاقيات دولية تضمن وحدة الحلول المطبقة بصدد هذه الحماية([3]). وقد كانت أولى هذه الاتفاقيات اتفاقية باريس المؤرخة في 20 مارس سنة 1883 المتعلقة بحماية الملكية الصناعيةثم توالت بعدها عدة اتفاقيات أخرى كان آخرها معاهدة سنغافورة بشأن قانون العلامات([4]). أدرك المجتمع الدولي أنّ ابرام الدول لاتفاقيات دولية خاصة بالملكية الصناعية دون وجود منظمة دولية متخصصة تتولى الاشراف على تلك الاتفاقيات وإداراتها والحرص على احترام أحكامها يجعل منها إن صح التعبير جثة دون قلب نابض. كما أدرك كذلك أنّ فكرة تدويل وتثبيت حماية حقوق الملكية الصناعية لن تكتمل إلاّ إذا صاحب ذلك وجود مؤسسة دولية متخصصة. ومن هذا المنطلق تم انشاء الويبو كمنظمة متخصصة تهدف إلى حماية الملكية الصناعية وتمارس وظيفتها في هذا المجال. يعتبر تأسيس الويبو نتيجة لمفاوضات طويلة ولجهود شاقة، إذ تولدت اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية لسنة 1883 كخطوة رئيسية أولى نحو مساعدة المبدعين على ضمان الحماية لأعمالهم الفكرية في بلدان أجنبية([5]). وكانت كرد فعل عن رفض المخترعين الأجانب المشاركة في معرض الاختراعات الدولي المقام في فيينا، النمسا، في عام 1873، خشية من أن تقع أفكارهم ضحية السرقة أو الاستغلال التجاري في بلدان أجنبية. وعقب حملة شنها الكاتب الفرنسيVictor Hugoوجمعيته الدولية الأدبية والفنية (L’Association Littéraire et Artistique Internationale (ALAI)) التي أسسها سنة 1878([6])، اُعتمدت اتفاقية برن بشأن حماية المـــصنفات الأدبية والفـــنية لسنة 1886([7]). والغاية من الاتفاقية تخويل المبدعين حق الرقابة على أعمالهم الإبداعية وتحصيل الإتاوات منها على الصعيد الدولي. وقد نصت كل اتفاقية على إنشاء مكتب دولي خاص بها يكون مقره برن بسويسرا ووضعا تحت اشراف الحكومة السويسرية وسميتا بالمكتب الدولي([8]).وفي عام 1893 اتحد المكتبان وباشرا أعمالهما وتمخض عن هذا الاتحاد بروز مؤسسة دولية عرفت بمختصرها الفرنسي (البربي) (BIRPI)([9])، وهي المكاتب الدولية المتحدة لحماية الملكية الفكرية، وهي مؤلفةً من سبعة موظفين ومقرها مدينة برن بسويسرا([10]). وظلت هذه المكاتب المتحدة تمارس نشاطها حتى تم الاستغناء عنها بقيام منظمةالويبو بموجب الاتفاقية الموقعة باستوكهولم في 14 جوان 1967 ([11])، والتي دخلت حيز التنفيذ عام 1970، والتي أصبحت عام 1974 واحدة من الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة([12]). واتخذت مقرها جنيف ليسهل عملية التنسيق والتعاون بين باقي المنظمات الأخرى. ومع تطور نشاط المنظمة فتحت مكاتب خارجية، ترمي من خلالها إلى تقريب خدمات وأنشطة المنظمة التعاونية من الدول الأعضاء في المنظمة وأصحاب المصلحة فيها وشركائها. وتشكل هذه المكاتب نقلة نوعية وقيمة مضافة وكفاءة وفعالية في تنفيذ البرامج وتلبية الاحتياجات الخاصة وأولويات البلدان والأقاليم التي تخدمها([13]). وتعتبر هذه المكاتب جزء لا يتجزأ من المنظمة، إذ تقدم خدمات دعم فعالة من حيث التكلفة فيما يتعلق بنظام معاهدة التعاون بشأن البراءات، ونظام مدريد، ونظام لاهاي، ومركز التحكيم والوساطة، والإدارة الجماعية، والتنمية، وتكوين الكفاءات([14]). ولما كانت هذه المنظمة بهذا القدر من الأهمية فإنه أضحى مشروعاً التعرض لها بصفتها هيئة ومؤسسة دولية متخصصة في مجال حماية الملكية الصناعية، وبيان الدور والجهود التي تبذلها في سبيل أداء مهامها، ولهذا إرتأينا تقسيم الدراسة إلى فصلين: نتناول فيهما على التوالي: الويبو كمؤسسة دولية متخصصة في حماية الملكية الصناعية(فصل أوّل)، ثم بيان دورها وجهودها في حماية الملكية الصناعية (فصل ثانٍ). [1]– على سبيل المثال صدر في بلجيكا ببتاريخ 24 ماي 1854 قانوناً خاصاً ببراءات الاختراع، وفي فاتح أبريل 1879 صدر قانوناً خاصاً بعلامة الصنع والعلامات التجارية. وكذلك صدر في سنة 1879 بتركيا ما يسمى بقانون اختراع براتي، وكذلك في روسيا صدر قانوناً للاختراعات في سنة 1919.راجع في ذلك: الفتلاوي سمير جميل حسين، الملكية الصناعية وفق القوانين الجزائرية، د.م.ج، الجزائر، 1988، ص.22. [2] – د. الهواري أحمد محمد،”الجات والحماية الدولية لحقوق الملكية الفكرية”، المجلة القانونية الاقتصادية، عدد 14 لسنة 2002، كلية الحقوق، جامعة الزقازيق، ص.211. [3] – إنّ الحاجة إلى توفير الحماية الدولية ظهرت عندما امتنع عدد من المخترعين من المشاركة في المعرض الدولي للاختراعات بفيينا سنة 1873. نتيجة تخوفهم من سرقة اختراعاتهم واستغلالها في الدول الأخرى.اُنظر في ذلك: د. سرحان سعودي حسن، الاتجاهات الحديثة في قانون براءات الاختراع وفقا لاتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية (تريبس) ومشروع القانون المصري (دراسة مقارنة)، دون بلد النشر، 2002، ص.7. واُنظر كذلك: الرواحنة منير عبد الله، مجموعة التشريعات والاجتهادات القضائية المتعلقة بالملكية الفكرية والصناعية، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 2009، ص.7. [4] -اعتمدت معاهدةسنغافورةبشأنقانونالعلاماتفي 27 مارس 2006. نقلاً عن: http://www.wipo.int [5] – جاء في المادة الأولى من اتفاقية باريس على أنّ حقوق الملكية الصناعيةتشمل براءات الاختراع ونماذج المنفعة والرسوم والنماذج الصناعية والعلامات الصناعية والتجارية وعلامات الخدمة والاسم التجاري وبيانات المصدر أو تسميات المنشأ وكذلك قمع المنافسة غير المشروعة، وتؤخذ الملكية الصناعية بأوسع معانيها، فلا يقتصر تطبيقها على الصناعة والتجارة بمعناها الحرفي وإنما تطبق كذلك على الصناعات الزراعية والاستخراجية وعلى جميع المنتجات المصنعة أو الطبيعية مثل الانبذة والحبوب وأوراق التبغ والفواكه والمواشي والمعادن والمياه المعدنية والبيرة والزهور والدقيق. [6] -نقلاً عن: http://www.wipo.int [7] – جاء في المادة الأولى من اتفاقية برن بأنه تشمل عبارة ” المصنفات الأدبية والفنية “: كل إنتاج في المجال الأدبي والعلمي والفني أياً كانت طريقة أو شكل التعبير عنه مثل الكتب والكتيبات وغيرها من المحررات، والمحاضرات والخطب والمواعظ والأعمال الأخرى التي تتسم بنفس الطبيعة والمصنفات المسرحية أو المسرحيات الموسيقية، والمصنفات التي تؤدى بحركات أو خطوات فنية والتمثيليات الإيمائية، والمؤلفات الموسيقية سواء اقترنت بالألفاظ أم لم تقترن بها، والمصنفات السينيمائية ويقاس عليها المصنفات التي يعبر عنها بأسلوب مماثل للأسلوب السينيمائي، والمصنفات الخاصة بالرسم وبالتصوير بالخطوط أو بالألوان وبالعمارة وبالنحت وبالحفر وبالطباعة على الحجر، والمصنفات القوتوغرافية ويقاس عليها المصنفات التي يعبر عنها بأسلوب مماثل كالأسلوب الفوتوغرافي، والمصنفات الخاصة بالفنون التطبيقية، والصور التوضيحية والخرائط الجغرافيا والتصميمات والرسومات التخطيطية والمصنفات المجسمة المتعلقة بالجغرافيا أو الطوبوغرافيا أو العمارة. [8] – نقلاً عن: http://www.wipo.int [9] – BIRPI : Bureaux internationaux réunis pour la protection de la propriété intellectuelle. Voir : Informations Générales, Publication de l’Organisation Mondiale de la Propriété Intellectuelle, Publication n° 400 (f), Genève : OMPI, 2004, p.4. [10] -نقلاً عن: http://www.wipo.int [11] – عدلت اتفاقية استكهولم سنة 1979. [12] –د.قناوي عزت ملوك، ” الأهمية الاقتصادية لاتفاقية حماية حقوق الملكية الفكرية: دراسة ميدانية بالتطبيق على صناعة الدواء في مصر “، مجلة مصر المعاصرة، عدد 463-464، السنة الثانية والتسعون، القاهرة، أكتوبر 2001، ص.67. [13] -بلغ عددها لحد الآن ستة، وهي: مكتب الويبو في البرازيل بريو دي جانيرو، ومكتب الويبو في الصين ببجين، ومكتب الويبو في اليابان بطوكيو، ومكتب الويبو في الروس بموسكو، ومكتب الويبو في سنغافورة بسنغافورة. ومكتب الويبو بالجزائر. نقلاً عن: https://www.wipo.int/portal/ar/news/2019/article_0008.html [14] – نقلاً عن: http://www.wipo.int