وصف الكتاب:
يتعرض المجتمع عبر دورة حياته للعديد من الظواهر الاجتماعية، يكون لها التأثير الواضح فيه، نتيجة جملة العوامل والأسباب المؤدية إلى حدوثها، الأمر الذي من شأنه عرقلة المسيرة التكيفية للمجتمع.مما لا شك فيه أن الظواهر الاجتماعية بشكل أو بآخر انطلاقا من تداخلاتها مع بعضها البعض؛ فإنّها تفرض تأثيراتها لكن ليس فقط على المجتمع،بقدر ما تتعداه لتمتد إلى الفاعلين الاجتماعيين المكونين له، هؤلاء الفاعلين الذين يمكن أن يكونوا بصورة غير مباشرة أطراف فاعلة في حدوث مثل هذه الظواهر، ليجدون أنفسهم في مطاف نهايته أنّهممجرد ذوات تابعة لسلطة وقهرية الظاهرة، ومن بين هذه الظواهر “ظاهرة الطلاق“. تعد ظاهرة الطلاق من بين الظواهر التي تمتاز بالخصوصية، رغم أن تأثيرها يتعدى الفرد، ليمس المجتمع ككل، من خلال النفاذ إلى أهم وحدة اجتماعية بذاته، ظاهرة معبرة في حقيقة وقعها عن المرحلة النهائية، التي يلجأ إليها الزوجين لإنهاء العلاقة الزوجية، ظاهرة ليست بالحديثة،إنما عرفتها كل المجتمعات عبر تاريخها البشري القديم وصولا إلى المرحلة الآنية، إلا أنّ حدتها تختلف بحسب خصوصية وتركيبة كل مجتمع، ظاهرة لم تعرف التمييز في وجودها بين المجتمعات العربية أو الغربية منها كلا على حد سواء، بالإضافة إلى تبعاتها المساهمة ولو بشكل ضمني عبر قفزات زمنية لا لحظية في خلخلة العلاقة الشخصية والأسرية والاجتماعية معا، فقد أضحت ظاهرة الطلاق مشكلة قائمة بذاتها، تكشف عن أبنية تأثيراتها بالرغم من اختلافية النصوص التشريعية للمجتمعات، التي سعت جاهدة للحد من مدى استفحالها بعمقها، بيد أنّ ضروب مختلفة ومتباينة من المؤثرات الداخلية والخارجية كان لها دورا في أن تؤرق كاهل الحياة الزوجية والأسرية معا، والمجتمع الجزائري ليس بمعزل عن مساحة التأثيرات الخارجية، ومجموع التغيرات التي عملت مجتمعة على خلق خلل في العلاقة الأسرية، فنتج عنها انفصال نهائي للشريكين، بعد أن تم جمعهما برباط وثيق يتم فيه مشاركة الطرفين لبعضهما البعض في السراء والضراء، وفق علاقة قائمة على إقرار ارتضاه العقل الجمعي، رباطا حرصت على شد وثاقه كل المجتمعات، وفي نطاق هذه التحولات والتغيرات الجذرية الاجتماعية والثقافية وكذا الاقتصادية التي كان عرضة لها المجتمع الجزائري، أشارت العديد من الإحصائيات والبحوث الاجتماعية، التي وقفت على الأسباب الكامنة وراء انتشار هذه الظاهرة، إلى ارتفاع معدلات الطلاق انطلاقا من تتبعها لوتيرة وصيرورة هذه الظاهرة من خلال ما أسفرت عليه نتائجها، دراسات في حقيقة أمرها أصبحت تكشف عن وجه اهتمامها بالظاهرة، لاسيما مع السنوات الأخيرة، كون الذي يحدث ليس فقط نتيجة تفاعلات واحتقانات للعلاقة بين الزوجين وأسرهم، بل في حقيقة الأمر نتاج للعديد من التحولات والتغيرات التي مست المجتمع، فقد سجل نسبة الطلاق بالمجتمع الجزائري مثلافيسنة[1] 2000:14.5%، ليرتفع بعد ثلاثسنوات فقط إلى نسبة %19.25، أما فيسنة2004 فقد قدر بـ:%22.5، هذه النسب المسجلة لا يمكنتجاهلها أو الاستهانة بها،وعلى الرغم من محاولة التشريعات القضائيةالجزائرية خاصة بعد إصدار قانون الأسرة الجزائري وكذا التعديل الذي أجريعليه خلال سنة 2005، للتخفيف من حدة آثار الطلاق إلا أن هذهالمعدلات لم تعرف انخفاضا، بل زادت ارتفاعا ملحوظًا في هذهالسنواتالأخيرة، وكنتيجة للآثار التيعصفت هي الأخرى بكيان الأسرة بصورةمباشرة، وما انجر عنها من تفكك لنسيج الشبكة العلائقية لنظام العلاقات الأسرية، فإنّ هذه المجتمعات قد اتخذت في صورة محاربتها للظاهرة كوجه احترازي للحد من إمكانية اتساع مجال ارتفاع معدلاتها بسن القوانين، لأنه كلما كان التشدد في نظام الزواج كلما أمكن التخفيف من حدة انتشار هذه الظاهرة، وهذا التشديد ليس فقط على نطاق المجتمع الجزائري بل على مستوى كل المجتمعات التي انتهجت نفس المنهج في ما خص بمحاولة تشخيص واقعية تأثير الظاهرة بزيادة تحصين الدائرة القانونية، لكن بالرغم من كل هذه التدابير الاحترازية المتسعة ذات المخرجات الرامية للمحافظة على كيان المجتمع، إلا أنّ هذا لم يمنع من تزايد معدلات الطلاق، ويرجع أسباب هذا الارتفاع أساسا إلى عدة عوامل الناتجة عن الظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المتشابكة مع بعضها البعض، مما دفع العديد من المفكرين على اختلاف مناهل تخصصاتهم؛ لأن تشغل هذه الظاهرة بؤرة تفكيرهم وتصبح موضع اهتمامهم، وخاصة علماء الاجتماع منهم منذ عقود كثيرة، متخذا هذا الاهتمام بالموضوع شكله العلمي مع تخصصات متعددة من خلال محاولة وصف الظاهرة والوقوف ولو بصورة جزئية على الآثار المتمخضة من رحمها، بالرغم من تعدد أبعادها، مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية كل مجتمع وعقائديته الاجتماعية. [1]– محمد طويل، عوامل انتشار الطلاق في المجتمع الجزائري: (دراسة ميدانية لعينة من المطلقين والمطلقات بمدينتي الجزائر والبويرة)، رسالة ماجستير في علم الاجتماع الديمغرافيا، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية،2005-2006، ص13.