وصف الكتاب:
إن دارس المشهد الإعلامي شرقا وغربا وبالأخص الإعلام المسموع المرئي والافتراضي أو ما سميناه “بالرأسمال الرمزي” يجد السالب والموجب وإن كان السالب أطغى. ويعود ذلك إلى عوامل أساسها الفصل بين المجالين الأخلاقي والإعلامي، وعندما ينفصل أي مجال عن فضاء “القيمة” بما في ذلك المجال العلمي تنعدم “أو تكاد” إمكانية توقع النتائج. فإذا افترضنا، وكان هذا الافتراض صحيحا، أن تدريس الإعلام أكاديميا يركز على الوسائل (أي التكنولوجيا ومهاراتها) دون الغايات (الهدف من التكوين ومن ذلك صياغة إنسان قادر على تغيير عالم الممارسة الإعلامية من خلال مغايرتها أخلاقيا)، فإن النتائج قد تؤدي إلى نهايات غير “محمودة.” إن المشهد الإعلامي وبالأخص المسموع -المرئي والرقمي يحمل في طياته أزمة أخلاقية، وإذا ما وقع الفصل بين المجال الإعلامي والمجال الأخلاقي دفع الإعلامي في اتجاهات وسبل تفرقت عن سبيل الحقائق والأخلاق والفضائل. ويشهد الإعلام عامة تفككا وإعادة بناء في نفس الوقت. فالتفكك حاصل في تحييد القيمة وإزالة طابع الهيبة والوازع الأخلاقي بممارسة عنف اللسان والإعلام وتكسير البنية القيمية في اللغة والسرد الإعلامي وإعلاء مكانة الترفيه والاستهلاك وتغليب السالب في الحياة. أما إعادة البناء فتكمن في تلك النماذج التي تسعى إلى إقامة إعلام هادف مسؤول وبناء من خلال الرقي بالثقافة والحس الفني والجمالي وتنمية الإحساس بالانتماء للجماعة والوطن وترسيخ ثقافة البناء والمشاركة الإيجابية في الحضارة الإنسانية المعاصرة. إن غياب أو تضاؤل الانضباط الأخلاقي على مستوى وعي الفرد و ضميره وعلى مستوى الواجب الأخلاقي وتغليب الجانب التجاري والدعائي في المجال الإعلامي عامة دفع النقاد إلى التساؤل عما إذا كان الإعلام مهنة بضوابط مهنية وأخلاقية وقانونية محدده على غرار مهنة الطب والقانون – خاصة مع تلك الخطوط التي تكاد تتداخل بين الإعلام التقليدي والأصلي في التجربة والمهارة والإعلام الرقمي الذي يمكن فيه لأي فرد أن يتخذ لنفسه اسم صحفي أو كاتب أو أديب دون يمسك بزمام تلك المهن بالضرورة… إن الواقع الإعلامي رغم تلك التجارب الرائدة في إعلام المجتمع بالحقائق وترقيته وتثقيفه وتنويره وتوفير مساحة واسعة للتعبير والحوار إلا أن الجانب الاستهلاكي والدعائي والتسطيح الثقافي وتذبذب مكانة الأخلاق في الممارسة الإعلامية ما يزال عاملا محركا في الكثير من الوسائل والمنصات الإعلامية التي أسهمت في ما يمكن تسميته بتعثر الرسالة في عصر الوسيلة. ورغم أن إيجابيات الإعلام الجديد ووسائل التواصل الاجتماعي بارزة ظاهرة للعيان إلا أن ذلك لا يمنع الناقد من التساؤل عن تلك لآثار “الهائلة” المرتبة عن طابع الجمهرة الذي اتخذته الثقافة من خلال هذه الوسائل و تراجع النوعية والتنوع الثقافي والإبداع وتغليب المادي عن الروحي واستبدال التفكير باللقطات الإعلانية وتحول الصورة من حافز للتفكير إلى حافز للإثارة والإيحاء. وقد يعتقد المستخدم أن كثرة الوسائل تعرضه إلى تعدد الأفكار والثقافات بالضرورة ولكن لو تمعن ما بلبث أن يدرك أن ما يحصل عليه ليس بذلك التنوع وإنما الرأي السائد في المرحلة. ويحتل الصحفي المهني مكانة متميزة في تجسيد قيم المهنة وأبعادها المعرفية والإنسانية ذلك أن مهنة الصحافة مهنة نبيلة تترتب عنها مسؤوليات ثقيلة بحكم أن مضمونها يمس المجال العام وكل كلمة أو رمز أو صورة إلا ولها دلالات تنعكس في واقع الملتقي وتصوراته وعلاقاته وممارساته الاجتماعية، وقد دعونا في نظرية الواجب الأخلاقي في الممارسة الإعلامية إلى أن يرجع الصحفيون في اتخاذ قراراتهم في الممارسة الإعلامية اليومية إلى ضمائرهم بدلا من المواثيق (أو مواثيق الشرف) التي يعد أثرها محدودا بحكم أن القيمة إنما تنبع من الداخل انطلاقا من المعاني الكامنة في النصوص المعرفية والروحية. فالممارسة الإعلامية الأخلاقية تدخل شخصي في سياق ثقافي معرفي وأخلاقي محدد وليس أمرا متروكا للمواثيق فحسب أو للاعتبارات التجارية والدعائية الظرفية. وفي هذا السياق بادرت جامعة مستغانم إلى دعوة الباحثين والمهنيين للتفكير سويا في التكوين المهني والأخلاقي للصحفيين قصد تقييم التجربة الإعلامية بهدف الوقوف على إنجازاتها وخصوصيتها وجوانب القصور فيها أملا في الإسهام في تطورها ونهضتها بما يخدم الثقافة والمعرفة في ظل التطور السريع في شتى المجالات وبحيث يكون الإعلام حاملا للقيم وعاكسا أكثر قيم المجتمع ممثلة على سبيل المثال لا الحصر في الاعتدال والتسامح واحترم الآخر وتنمية الوعي الأخلاقي وإضفاء قيم إيجابية للمجتمع والانفتاح على ثقافات العالم المتعددة.