وصف الكتاب:
تقوم صناعة الصورة المرئية على تشكيل الرموز، وصياغة الدلالات، وإنتاج القيم، وهندسة الوعي، والوجدان، والذوق، والسلوك، وتكريس سلطة المرئي، بوصفه نظاما متكاملا، ومؤثرا في المتلقي، ومحققا أهدافا كثيرة من خلال إعادة تشكيل الواقع وإدراكه برؤية جديدة؛ لذلك قدم الباحثون في مجال الخطاب المرئي مقاربات عديدة لدراسة الصورة المرئية اشتركت جميعها في إبانة قدرتها على التأثير في المتلقي، عبر نفوذها وهيمنتها بفعل إمكاناتها في إنتاج المعرفة، وامتلاك المعلومة، والتحكم بها. استطاع الخطاب المرئي عبر الصورة أن يتجاوز حدود الزمان والمكان، وأن يقفز على عائق اللغة، وأن يسجل وقائع التاريخ لحظة بلحظة، ويكون الوسيلة الأكثر اتصالاً وإبلاغاً وتثقيفاً، فالصورة إذًا موجودة في واقعنا بالفعل، ونحن مجبرون على قراءتها على الرغم من صعوبة ضبط قراءة منهجية جامعة لفك شفراتها. وهي دون أدنى شك مزودة بمقومات معرفية، وقوالب ثقافية تجعل منها أكثر أدوات التعبير التي يمكن ترويضها، وتوجيهها وفق غايات إيديولوجية مسبقة؛ ما يعني أن قراءتنا للخطاب المرئي يجب أن تخضع إلى منهجية تعتمد على كفاءات تأويلية، وقدرات إنجازية لفهم علاماتها التشكيلية، والبصرية. ولما كان الخطاب المرئي يرتكز في قراءته على المعرفة، والثقافة، ولذة الاستقبال، فإن المقاربة السيميائية كانت أحد أهم المقاربات التي أمكنها كشف مكنوناته؛ ذلك أن السيميائيات علم يتخذ من منظومة العلامات موضوعاً له يقولبه ويصوغه في شكل محدد دال، وهي معرفة عابرة لتخصصات عديدة مثل: اللسانيات وتحليل الخطاب وعلم الأسلوب والبلاغة والتداولية، وأنظمة التواصل المختلفة؛ اللغوية وغير اللغوية، التي تتعامل مع الصورة كعلامة مركبة، ونظام سيميائي تتفاعل فيه علامات جزئية أخرى، تعمل جميعا على تحقيق بلاغة الإقناع، ودفع المتلقي نحو المقاصد، والأغراض التي يقصد إليها الخطاب المرئي. وهذا يعني أن افتراض منهجية متكاملة لمقاربة الخطاب المرئي أمر لا يخلو من صعوبة وتعقيد؛ لأنه ينبغي على قارئه أن يكون مجهزا بترسانة من الأدوات الإجرائية التي تمكنه من اكتشاف مضمراته، ذلك أنه خطاب تتفاعل فيه أنظمة من الأيقونات، والعلامات اللسانية وغير اللسانية، وتتداخل فيه الخطابات، وتتعاضل الإيديولوجيات، وتتدافع سلطة الأشكال الرمزية بطريقة تجعل منه خطابا ثريا بالقيم الدلالية، والعلامات المسننة المضمرة التي تنطوي عليها الرسالة البصرية من خلال بعديها: الأيقوني والتشكيلي، خاصة إذا علمنا أنها ليست وليدة مادة تضمينية دالة ومعاني قارة ومثبتة في أشكال لا تتغير، بل تمتد إلى أبعاد أنثروبولوجية، واجتماعية إنسانية. د.عادل بوديار جامعة العربي التبسي/تبسة.