وصف الكتاب:
التصوير الفني هو نواة أساسية للفنون الشعرية، إذ يستعين به الشاعر أو المبدع للتعبير عن ذاته ومهاراته الشعرية، من خلال رسم صور شعرية تفتح أمامه تيمة من العواطف كانت مكبوتة بداخله فينتج عنها في كثير من الأحيان ذلك الشعور الصادق المليء بالعواطف الجياشة النابعة من القلب. طالما تعلق الشاعر العربي بلغة العيون والحواس ولاريب في ذلك إذا كانت مخصصة لصورة مدينة ما، فكيف لا إذا كان يلامس ترابها يتذوق طعامها يشتم هواءها ينتعش بروائحها الزكية يستمع لقاطنيها الذين لايكلون ولا يملون وهم يتكلمون عنها، فماذا لو كان كل هذا يصب في مكان واحد في بلد واحد في وطن واحد وهو تلمسان، ومن هذه النقطة كانت بدايتي في هذا العمل الذي شغفت وأنا أكتب عنه بحثا، محاولة اكتشاف صورة لمدينة أثرية زيانية ألا وهي تلمسان. لفظة تلمسان كلمة صغيرة لكنها تعني لنا ولغيرنا الكثير بمجرد تفكيك هذا الاسم لمعرفة دلالاته والصور الشعرية التي احتفى بها الشعر الزياني، نكتشف أنه رمز للملوك، للحواضر، للمساجد وحتى لأهل تلمسان أيام الدولة الزيانية . فكانت هذه الرموز والدلالات سببا في اختياري لمدينة تلمسان إضافة إلى الحديث المتداول عنها حتى وصل إلى كل ربوع الأمصار كموضوع لرسالتي المعنونة ب”صورة تلمسان في الشعر الزياني”. وأردت من خلال هذه الدراسة البحث عن كل مايتعلق بمدينة تلمسان وصورها في أشعار الشعراء الزيانيين ومن الإشكاليات المتولدة عن هذا البحث: – هل قال الشعر المغاربي قديما المدينة؟ – لماذا تغيب المدينة في الشعر؟ متى تحضر؟ – لماذا الشعر العربي لم يقل مدينة تلمسان كما يجب أن تقال ؟ – أين هي مدينة تلمسان¨لماذا الشعر العربي كان يقول الروح وليس المدن؟ ولأجيب عن هذه التساؤلات استعنت بخطة عمل مكونة من مدخل وثلاثة فصول: لمحت في المدخل المعنون بالصور الشعرية المفهوم والأشكال إلى: مفهوم الصور الشعرية، وكيف كانت قراءة النقاد لها من حيث تقسيمها إلى أشكال وأنواع لأنتقل إلى عناصر الصورة. ثم الفصل الأول الذي سميته بتيمة المدينة في النص الشعري المغاربي القديم: وعرجت فيه على المدينة المفهوم والماهية: لغة واصطلاحا، تجليات المدينة في القرآن الكريم والشعر المغاربي بمافيه النص الشعري الإفريقي، المغربي، الليبي والجزائري القديم. أما الفصل الثاني المسمى تلمسان ومضامين الوصف في الشعر الزياني، ألونته بأهم أنواع صورة في تلك الفترة محاولة الكشف عن مضمونها وصورها الجمالية، فبدأتها ب:الصور المدحية، الفخرية، الوصفية، الرثائية والصور الحنينية. وحاولت في الفصل الثالث والأخير وهو الفصل الفيصل في الرسالة لكونه يتناول الدراسة التطبيقية للمدونة النموذجية فاتفقت على عنوانه بأشكال صور تلمسان في الشعر الزياني، فركزت على: 1-التشكيل الإيقاعي لصورة تلمسان في الشعر الزياني: أ-التشكيل الداخلي: فدرست فيه التقطيع العروضي ب- التشكيل الخارجي: فتناولت فيه أهم المحسنات البديعية، إضافة إلى دراسة التكرار والأساليب. اضافة إلى إظهار التصوير البياني لمدينة تلمسان منها حديثنا عن الصور الاستعارية، الصور التشبيهية والصور الكنائية. التشكيل الحسي لصورة تلمسان: بمعنى الصورة الشعرية فعرجت فيه: التشكيل الحسي، السمعي، المرئي، الشمي، وتمثلات تلمسان الرمزية وبعد ذلك درست البنية التركيبية للشعر الزياني في وصف مدينة تلمسان؛ بما في ذلك من الأفعال، الأسماء، المشتقات، الأساليب بنوعيها، الجمل الخبرية والإنشائية، الجمل البسيطة والمركبة وغيرها. التشكيل الإيحائي الدلالي لصور تلمسان : فدرست فيه الصور الموحية لمدينة تلمسان التي اتفق عليها الشعراء في قصائدهم. وأنهيت بحثي بخاتمة كانت عبارة عن حوصلة لكل ما تطرقت إليه في وصف الصورة وكانت الملاحق عبارة عن ذيل للرسالة، فتضمنت ترجمة الشعراء الزيانيين. أما المنهج فكان بين الوصفي التحليلي، السيميائي والتاريخي الذي استعنت به في ترجمة الشعراء وشرح دلالة وماهية اسم تلمسان، أما الدراسات التي سبقت هذا العمل فكانت كافية وغير كافية فمن جهة الكافية فمنهم من عالج هذه المدينة تاريخيا في هذا العهد كرسالة تلمسان في العهد الزياني لبسام كامل عبد الرزاق ومنهم من عالج بعضا من شعرائها وعلى سبيل المثال ابن خميس شاعرا إضافة إلى مسعود بن صاري ورسالته تلمسان في الشعر الجزائري، أما من جهة غير كافية فلم يتطرقوا إلى معظم الشعراء الذين كتبوا عن مدينة تلمسان. أما بخصوص الكتب فيوجد مجموعة من الكتب التي تناولت موضوع تلمسان كتلمسان في العهد الزياني بجزأيه لعبد العزيز فيلالي. أما العقبات التي واجهتني هي ضياع ديوان ابن خميس التلمساني الذي عانى وهو في تلمسان وعانى وهو في الغربة كثيرا وعانيت معه أكثر وأنا أبحث عن كتابه الشبه مفقود في الجزائر. اضافة إلى تشابه المعلومات في كل الكتب والمجلات وحتى الرسائل العلمية التي مضمونها لا يختلف كثيرا عن المعلومات الموجودة في الكتب، لأن تلمسان كانت ملهمة الشعراء والباحثين. أما بالنسبة للمادة العلمية فقد اعتمدت على مصادر ومراجع من أهمها نفح الطيب وأزهار الرياض لأحمد المقري، وكتاب المنتخب النفيس من شعر أبي عبد الله بن خميس لعبد الوهاب بن منصور. وخلاصة الكلام ومسك الختام أتقدم بالشكر الجزيل لأستاذتي الدكتورة “حطري سمية” على ما أسدته لي من نصائح وتوجيهات كانت في الصميم والطريق السوي بالنسبة إلي فجزاها الله خيرا. كما أتقدم بالشكر إلى الأستاذ الدكتور “فتحي محمد” الذي أنار لنا طريق التوغل في الأدب الجزائري القديم شفاه الله ورعاه خير رعاية. د.درار نزيهة 2020 سيدي بلعباس