وصف الكتاب:
يعتبر البحث في موضوع النضال المغاربي المشترك أثناء فترة الكفاح الوطني من المواضيع المهمة والحساسة في نفس الوقت و التي تتطلب إلماما دقيقا بمختلف الجوانب المتعلقة به نظرا لتشابك موضوع الوحدة وإرتباطهبالواقع المغاربي سواء في الماضيأو الحاضر أو المستقبل . لقد قام المغاربة بمحاولات حثيثة للتعاون و العمل المشترك منذ زمن بعيد كما هو الشأن بالنسبة للموحدين مرورا بعدة محاولات وصولا إلى فترة الإستعمار. لذا فإن الدعوة إلى الكفاح التحرري المشترك هي التي عمل من أجل تحقيقها جيل كامل من الوطنيين المغاربة من أمثال الأمير خالد و عبد العزيز الثعالبي و مصالي الحاج و عبد الكريم الخطابي وعلال الفاسي ويوسف الرويسي وأحمد بن بلة ومحمد بوضيافو صالح بن يوسف وغيرهم من الذين آمنوا بالمشروع التحرري الموحد لبلدان المغربالعربي و لهذا فإن محنة الإستعمار الفرنسي المشترك في كل من تونس والجزائر والمغرب زادت هذه الشعوب التحاما وانسجاما فمنذ الوهلة الأولى لم تكن الحركة الوطنية في أي قطر منالأقطار الثلاثة في مواجهة الاستعمار معزولة عن البقية وذلك لزيادة الشعور بالوحدة وكان أي حدث يحدث في قطر واحد سرعان ما يكون له صداه في البقية. ومن أبرز التنظيمات و الجمعيات التي أطرت النضال الوحدوي المغاربي نجم شمال إفريقيا و جمعية الطلبة المسلمين لشمال إفريقيا و مكتب المغرب العربي وقد وصل الكفاح التحرري المشترك إلى أقصى حدوده في منتصف الخمسينيات من القرن العشرين و ذلك بإنشاء جيش تحرير المغرب العربي . إذن فقد شهد الكفاح المغاربي منذ 1926 إلى غاية 1962 محطات بارزة للتنسيق بين الجزائر و المغرب و تونس و هذا ماتجلى في تأسيس تلك الأجهزة التي دعت للعمل المشترك سواء نفوس الشعوب المغاربية فقد قامت السلطات الاستعمارية بتوظيف كل إمكانياتها من أجل إفشال و إقبار تلك الوحدة وهو الشيء الذي دفعها لتعجيل منح تونس والمغرب لاستقلالهمو هكذا وضعت القيادات السياسية الجديدة في البلدين فيموقحرج بين خدمة المطامح القطرية أو الإستمرار في المشروع الوحدوي لإستكمال تحرير الجزائر وبسبب قوة الثورة الجزائرية وإمتدادها داخل البلدين الآخرين جعل شعبيهما يلتفان حول الثورة ويدعمانها بكل قوة وهو الشيء الذي جعل فرنسا ترفض سحب قواتها العسكرية من البلدين لأنهما أصبحا يمثلان قواعد خلفية للثورة الجزائرية و هوالأمر الذي زاد من مخاوف القيادات السياسية المغاربية ودفعها إلى ضرورة التكتل و التوحد من أجل توحيد المواقف السياسيةو العسكرية و من هنا جاءت الدعوة لمؤتمر طنجة سنة 1958و الذي كان بديلا عن توحيد القتال الذي دعا إليه الوطنيون المغاربة قبل عشر سنوات في القاهرة عند تأسيسهم للجنة تحرير المغرب العربي . إن إختيارنا للبحث في موضوع العمل المغاربي المشترك أثناء مرحلة الكفاح الوطني جاء نتيجة مجموعة من الدوافع يمكن إجمالها في النقاط التالية : الرغبة في الكشف عن تاريخ بلدان المغرب العربي و إيجاد القواسم المشتركة بينها و محاولة تعميقها وتقويتها. إرتباط موضوع البحث بالحركات الوطنية المغاربية و هو الأمر الذي سعينا فيه وذلك لإبراز أهم محطات التعاون ونتائجها و العراقيل التي أدت إلى فشلها . محاولة ربط و توثيق الصلة بين الأفكار المغاربية وإبراز التقارب بينها . إن وحدة الكفاح التحرري هو ما سعى إلي تحقيقه مجموعة من الوطنيين المغاربة و بذلوا كل ما في وسعهم من أجل القيام بثورة شاملة على الساحة المغاربية و من هنا تبرز إشكالية الموضوع المثمتلة في ما هي أهم محطات الوحدة و ما هو الدور الذي قام بههؤلاء الوطنيون المغاربة من أجل توحيد حركات التحررفي بلدان المغرب العربي ومنه تندرج تحت هذه الإشكالية مجموعةمن التساؤلات الفرعية والمتمثلة في : ماهي محطات التعاون المغاربي ؟ وماهي نتائجها ؟ ماهي الظروف التي أدت إلى بلورة الفكر التحرري عند الوطنيين المغاربة ؟ ماهي الإستراتيجيات التي إعتمدوها لتجنيد الشعب لخدمة حركتهم التحررية ؟ لماذا فشل مشروع جيش التحرير المغاربي ؟ ماهي البرامج و الوسائل التي إعتمدوها في كفاحهم ؟ كيف كان دعم الشعب التونسي و المغربي للثورة الجزائرية عقب إستقلالهما ؟ ماهو رد فعل فرنسا من هذه الوحدة ؟ يمكن حصر أهداف الموضوع في النقاط التالية : معرفة جهود الوطنيين المغاربة في التنسيق للعمل من أجل وحدة الكفاح التحرري المغاربي . معرفة أهمية العمل الوحدوي في تحقيق أهداف الحركة الوطنية المغاربية التحررية . إبراز التعاون بين الشعوب في مرحلة الإستعمار و ذلك بتشكيل جبهة واحدة وقف فيها الجزائري و المغربي و التونسي في صف واحد في ميدان المعارك التي خاضوها من أجل إستقلالهم . إبراز الأثر البالغ الذي خلفه أصحاب التوجه الوحدوي على الحركة الوطنية و الثورة التحريرية الجزائرية . إن الدراسات العلمية تقتضي من كل باحث أن يذكر المنهج ضمن الخطوات التى يتبعها في البحث وذلك ضمن المقدمة وللإجابة على الإشكاليات التي تطرقنا لها في بحثنا اعتمدنا على المنهج التاريخي التحليلي و الذي استعملناه لدراسة و تحليل المادة العلمية التيوظفناها في هذا البحث حسب كل مرحلة من مراحل الدراسة كما اعتمدناأيضا على المنهج التاريخي الوصفي وذلك لعرض الوقائع و الأحداث التاريخية ووصفها وصفا كرونولوجيا و ذلك لأن منهج وصف الوقائع في كل علم من العلوم يكون سابقا لغيره من المناهج . يقع الموضوع المراد دراسته في هذا البحث خلال المرحلة الواقعة بين 1926 و1962 فسنة 1926 شهدت بداية الوعي و تبلور فكرة العمل الموحد لدى فئة كبيرة من مناضلي الحركات الوطنية المغاربية و انتقال النضال الموحد إلى مرحلة الهيكلة و التنظيم أما سنة 1962 فشهدت تتويج النضال الموحد باستقلال أخر قطر وهو الجزائر . لقد قسمنا بحثنا هذا الى مقدمة و أربع فصول رئيسية و خاتمة وملاحقو قائمة للبيبليوغرافيا. ففي الفصل الأول تطرقنا فيه الى بوادر ظهور فكرة الوحدة المغاربية مع التعرض إلىأهم محطات الوحدة النضالية المشتركة بداية من سنة 1926 إلىغاية 1939 وقدجاء فيه نشأة نجم شمال إفريقياثم جمعية الطلبة المسلمين لشمال إفريقيا ثم العلاقة بينهما ورد فعل فرنسا منهما . أما الفصل الثاني فجاء بعنوان النضال السياسي في إطار الكفاح التحرري المشترك وقد تم جاء فيه أولا جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية ثانيا مكتب المغرب العربي ثالثا لجنة تحرير المغرب العربي رابعا رابطة طلاب المغرب العربي . أما الفصل الأولفعنون بمشروع الكفاح العسكري الموحد وقد قسم كذلك إلىأربعة عناصر هي أولا لجنة العمل الثورية لشمال إفريقياثانيا محاولات توحيد جبهات الكفاح المسلح ثالثا جيش التحرير المغاربي رابعا إخفاق المشروع العسكري الموحد . و فيالأخير الفصل الرابع فعنوناه بتأثير الكفاح الموحد على الدول الثلاثة ورد فعل فرنسا منه وجاء هو الآخر في أربعة عناصر وهي : أولا رد فعل فرنسا من الكفاح المشترك ثانيا دور الكفاح المشترك في تحرير تونس و المغرب ثالثا التضامن المغاربي الثورة الجزائرية في المحافل الدولية رابعا الوحدة في مواثيق الثورة الجزائرية . وينتهي هذا الموضوع بخاتمة استعرضنا فيها أهم النتائج المتوصل إليها ومجموعة من الملاحق التي تخص الموضوع . حاولنا تناول هذا الموضوع بجمع كل ما أمكن من المصادر و المراجع على اختلافأنواعها سواء كانت عبارة عن مؤلفات أو كتب ودورياتومذكرات شخصية لبعض اللذين شاركوا بفعالية في هذه الأحداث ومن هنا نشير إلى كتاب :علال الفاسي (الحركات الاستقلالية في المغرب العربي ) و كتاب الرشيد إدريس (ذكريات عن مكتب المغرب العربي بالقاهرة ) وهذان الكتابان يعتبران من المصادر المهمة التي تناولت فكرة الكفاح المغاربي و التي لايمكن الاستغناء عنها كما اعتمدنا أيضا على مذكرات حمادي العزيز والتي جاءت في كتاب (جيوش تحرير المغرب العربي ) و إلى جانب هاته المصادر تعاملنا مع مجموعة من المراجع التي عالجت موضوع الحركات الوطنيةو الاستعمار في بلدان المغرب العربي ككتاب مقلاتي عبد الله ( العلاقات الجزائرية المغاربية والإفريقيةإبان الثورة ) و كتاب مبارك زكي ( محمد الخامس وابن عبد الكريم الخطابي وإشكالية استقلال المغرب ) وكتاب العمريمؤمن (الحركات الثورية في الجزائر من نجم شمال إفريقياإلى جبهة التحريرالوطني1926-1954) ولايمكن أن ننسى أبو القاسم سعد و كتبه ككتاب(الحركة الوطنيةالجزائرية) بالإضافةإلى هذا اعتمدنا على مجموعة من الكتب باللغة الأجنبية ككتاب شارل روبير أجيرون( تاريخ الجزائر)و (مذكرات مصالي الحاج) و بول بالطا في كتاب (إستقلال المغرب الكبير) ومحفوظ قداش في كتاب( تاريخ الوطنية في الجزائر) و كتاب محمد حربي (أرشيف الثورة الجزائرية) الى جانب هذا اعتمدنا في هذا البحث على مجموعة من المجلات منها مجلة( الذاكرة الوطنية) التي تصدرها المندوبية السامية لقدماء المقاومة المغاربية بالإضافةإلى المجلة (التاريخية المغاربية) و مجلة( كان الدولية) وكذلك مجلة( أول نوفمبر) اللسان المركزي للمنظمة الوطنية للمجاهدين بالإضافةإلى هذا اعتمدنا على مجموعة من الملتقيات كملتقى (محمد بوضياف) كما اعتمدنا أيضا على جملة من الرسائل الجامعية منها الدكتوراه و الماجستير من بينها رسالة بالقاسم محمد (الاتجاه الوحدوي في المغرب العربي) ومذكرة دكتوراهلميموني رضا( دور الوطنية المغاربية في حركة تحرير تونس والجزائر من نهاية الحرب العالمية الثانية إلى غاية الاستقلال) بالإضافةإلى رسالة ماجستيرلجبران لعرج (الثورة الجزائرية وعلاقتها بالمغرب الأقصى 1954-1962) كما اعتمدنا أيضا على مجموعة من اليوميات والمنشورات كالنشرة السنوية لجمعية طلبة شمال إفريقيا وجريدة المنار والبصائر والمجاهد. لاشك أن البحث في مثل هذه المواضيع الحساسة أمر صعب للغاية وهو مايفسر وجود جملة من الصعوبات التي اعترضتناأثناءإنجازه من بينها تشتت المادة العلمية و تواجدها في مكتبات مثناترةمما جعل الوصول إليهاأمرصعبا في ظل صعوبة التنقل و عدم سماح بعض المكتبات للزائرين باستعارتها او نسخها . طول مدة الدراسة التي تمتد كما رأينا من1926 إلى غاية 1962 وهي فترة طويلة جدا . إلا انه بالرغم من ذلك تمكنا بالتوفيق من الله من تجاوز هذه الصعوبات وفي الأخير لست أدعي أننيأحطت بكل ما يجب أن يقال في هذا الموضوع واحسب أني قدمت عملا متواضعا ما هو إلا ثمرة مجهود يمكن أن يضاف إلىأعمالأخرى و مساهمةمتواضعة في اتراء موضوع الكفاح المغاربي المشترك الذي يعتبر من المواضيع المفتوحة أمام جهود أخرى مستقبلا .