وصف الكتاب:
في العقود الثلاثة الأخيرة، تأسس وتطور حقل دراسات "الانتقال الديمقراطي" الذي يبحث في مساحة: كيف تتحول الدول الدكتاتورية إلى ديمقراطية؟ لكن في المقابل، ثمة محدودية في الدراسات التي تبحث وتدرس: كيف تُصنع الدكتاتوريات؟ وكيف تعمل؟ هذا الكتاب "كيف تعمل الدكتاتوريات؟ السلطة وترسيخها وانهيارها" هو مساهمة مهمة في هذا الإطار، وهو نتاج عمل فريق بحثي مُتخصص ومُجتهد امتد لسنين طويلة "أطول من تلك التي عاشها كثيرٌ من الأنظمة الدكتاتورية". استطاع الفريق الوصول إلى كم هائل من المعلومات والبيانات والتجارب عما يُقارب ٢٠٠ نظام دكتاتوري - عددٌ منها أنظمة مُتعاقبة ومختلفة في دولة واحدة - وأخضعها لعمل تحليلي وكمي كبير ومُعقد، وخرج منها بنتائج وأرقام وإحصاءات وجداول رصد ورسوم بيانية شديدة الأهمية. حتى الآن، لا تزال الدكتاتوريات تحكم أكثر من ٤٠٪ من بلدان العالم. وكل الحروب الدولية التي اندلعت بعد نهاية الحرب العالمية الأولى كانت الدكتاتوريات طرفاً فيها. كما أن ثلثي الحروب الأهلية والصراعات العِرقية التي شهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية اندلعت في دول ترزح تحت حكم الفرد. ومنذ سقوط جدار برلين، ارتكبت الدكتاتوريات أكثر من ٨٥٪ من المذابح الجماعية التي قامت بها الحكومات. لقد أثرت الدكتاتوريات في حياة مئات ملايين البشر (وموتهم أيضاً) وتسببت في معظم التحديات الدولية التي يواجهها الساسة في العالم. وعلى الرغم من أن بعض الدكتاتوريات كان لها نصيب الأسد من بدء الحروب والعنف السياسي، يعيش عدد منها في وئام مع جيرانها وتُحجم عن قمع مواطنيها. وليس سراً أن أسرع الدول نمواً في العالم هي دول تعيش في ظل أنظمة دكتاتورية، لكنّ أسوأها إدارة لاقتصادها هي دكتاتوريات كذلك. وبعض الدكتاتوريات اتبعت سياسات للمساواة بين دخول مواطنيها، وبعضها ارتفعت فيها معدلات عدم المساواة إلى درجات لا تصدق. ركزت معظم التحليلات الأكاديمية التي درست كيفية عمل الحكومات على الدول الديمقراطية. ولذلك ما نعرفه عن عملية صنع القرار في الدكتاتوريات أقل كثيراً مما نعرفه عن نظيرتها في الدول الديمقراطية. وما يعقد الأمر أكثر، أن الدول الدكتاتورية لا تختلف فقط عن الديمقراطيات، لكنها تختلف أيضاً عن بعضها بعضاً. كما أن عملية اتخاذ القرار الدكتاتورية غالباً ما تحدث في الظلام، في الوقت الذي تُصنع فيه السياسات في الدول الديمقراطية بشفافية نسبية. وغالباً ما تتخذ المجموعات النخبوية الصغيرة في الأنظمة الدكتاتورية قراراتها في سياقات غير رسمية، وعادة ما يكون أعضاء مجلس الوزراء هم منفذي القرارات لا صانعيها. أما الأنظمة الديمقراطية فتتيح الكثير من البيانات عن آليات عملها، ما يسهل من مهمة الباحثين. ولا تنشر الدكتاتوريات، من جانبها، بيانات أقل فحسب، لكن حتى ما تنشره قد يكون غير دقيق بشكل متعمد. وعلى الرغم من أن لدينا نظريات عديدة مثيرة عن الدكتاتوريات، لا يقف إلا أقلها على أرض صلبة في الواقع، فنحن لا نعرف الكثير عن السبب وراء قدرة بعض الدكتاتوريات على تأسيس حكومات مستقرة، في حين تعاني بعضها توترات مستمرة، أو لماذا تقرر دول منها بناء مؤسسات سياسية ذات وجه ديمقراطي، وترفض ذلك أخرى، أو لماذا توزع بعضها الثروات على الشعب، ويحتفظ بعضها الآخر بمقدرات الدولة في أيدي حفنة صغيرة من داعمي النظام، أو لماذا تعيش دكتاتوريات لعشرات السنين وتنهار أخرى في غضون عام أو اثنين. باختصار، نحن لا نعلم إلا القليل عن الدكتاتوريات، وكيف تعمل، ولماذا تستمر وتكون مستقرة لسنين طويلة أحياناً، وتفشل وتنهار سريعاً في أحيانٍ أخرى. اليوم، صدر عن "الشبكة العربية للأبحاث والنشر" الترجمة العربية لهذا الكتاب المهم، وقام بالترجمة المُتقنة والسلسة عبد الرحمن عيّاش.