وصف الكتاب:
يَبدو أَبطالُ هَذِهِ القصَصِ وكَأنَّهُم يَبحَثون عَن آمالٍ عَجَزوا عَن تَحقيقِها؛ رُبَّما لِأنَّها مُستَحيلَةٌ أَصلًا، كالطَّيرانِ بِلا تَوقُّفٍ؛ بَحثًا عَن هَدَفٍ غامِضٍ، يَنتَهي بِالبَطَلِ إلى الاستِسلامِ لِهُبوطٍ لا يُعرَفُ مَدى سَلامَتِه، ورُبَّما لأنَّها آمالٌ في تَحقيقِ بُطولَةٍ قَد لا يَستَطيعُ الكومبارس أَنْ يُحَقِّقَها إلَّا في مَشهَدٍ واقِعيٍّ قَد يُرضي ذاتَهُ المُحبَطَة، إلَّا أنَّه يَظَلُّ مَشهَدًا عارِضًا لا يَتعلَّقُ بآمالِهِ في البُطولَةِ عَلى خَشَبةِ المسرَحِ، حَيثُ الشُّهرَةُ والمجدُ، وهُوَ ما حَلُمَ بِهِ وتَمنَّاه. يَبدو كاتِبُنا "مَجدي عبد الحميد" وكَأنَّهُ يُؤَكِّدُ عَلَينا -بِلُغَةِ الأَدَبِ، لا بِلُغَةِ السِّياسَةِ الَّتي تَعوَّدَ أَنْ يَتحدَّثَ بِها- أنَّ الوَضعَ العامَّ يُثيرُ الإحباطَ والقَرَفَ، ويَبدو لَنا ذَلِكَ واضِحًا، بدءًا مِن هذا الَّذي يُحاوِلُ أَنْ يَنجَحَ في الهُبوطِ بِأمانٍ بَعدَ أَنْ حَلَّقَ إلى عَنانِ السَّماء، وانتهاءً بِشاويشَ سَمَحَ بِخَدشِ رُجولَتِه واستِخدامِ مُؤَخِّرَتِه كَمَخزَنٍ، رَغمَ ما تَربَّى عَلَيه، مُرورًا بِبُطولَةٍ -رغمَ بَريقِها- تَبدو كَأنَّها لا صِلَةَ لَها بِمَا حَلُمَ بِهِ الكومبارس. إنَّه القَرَفُ والإحباطُ إذن، لَكِنَّ المُفارَقَةَ أَنَّ الكاتِبَ لا يَستَسلِمُ لِهَذا القَرَفِ مِثلَما يَبدو عَليهِ ظاهِرُ الحالِ؛ فَلَا يَزالُ الطَّائِرُ المُحَلِّقُ يُحَلِّقُ ويَحلُمُ بِهُبوطٍ آمِنٍ، والكومبارس يَبدو عَلى خَيرِ حالٍ؛ إِذْ حَقَّقَ في الحَياةِ أَكثَرَ مِمَّا حَقَّقَه على خَشبَةِ المسرَحِ، وحَتَّى الشَّاويشُ، رَسَمَ الكاتِبُ لَنا شَخصيَّتَهُ مُنطَلِقًا من التَّعاطُفِ مَعَه، ولَيسَ إدانَتَه والحُكمَ عَلَيه. الكاتِبُ إِذَن لَيسَ أسيرَ الإحباطِ والقَرَفِ كَما يَبدو لأَوَّلِ وَهلَةٍ، وإنَّما هُو أَسيرُ مَشاعِرَ مُتَناقِضَةٍ مِنَ التَّمسُّكِ بالأَمَلِ والاستِسلامِ لِلإحساسِ بِعَدَمِ الجَدوَى، وأغلَبُ الظَّنِّ أَنَّ تَمَسُّكَه بالأَمَلِ هُو الغالِبُ، وهُوَ الأثَرُ الَّذي يَترُكُهُ في نَفْسِ القارِئ.