وصف الكتاب:
عليها المرض لدرجة أنه كان يعدها للموت ، ورفضَت استدعائي من القاهرة حرصا منها على مستقبلي أيام اختباراتي العملية بالكلية ،لكن صادف بعدها بأيام قليلة اكتمال الأعوام الثلاثة والعشرين من حياتي ، عندها سافرت إلى قريتنا وأتيت ببعض الحلوى وقليل من الشموع المضيئة كي تطفئها أمي معي وسط إخوتي ، لكنني لاحظت عدم قدرتها على رسم البسمة على شفتيها ،فقد اشتد المرض وأصبح التعامل مع الأحداث المعيشية يصعب على من كان التأوه يغلب كلماته ، هرولت إلى طبيبها المعالج راجياً أن يضيف إليها أية أدوية ، وعندما شرحت له أعراضها الحالية قام بنصحي أن أنتظر النهاية!! أي نهاية ؟ هل يدري ما يقوله هذا الطبيب؟ أعرضت عنه واستأجرت سيارة علها تنقلني إلى مستشفى تلحق جسدها ، وإذ بقسوة تقابل مذلتي من كثير من الأطباء رافضين أن تموت المريضة عندهم ، كل السبل للهروب من موتها قد أُغلقت حتى أتت انفراجة من عند ربي أن قَبِل معالجتها أحد الأطباء في إحدى المستشفيات الحكومية بالمحلة الكبرى ، وظل يغزو جسدها بالعقاقير حتى أنهكت ولم تستجب ، آثرت الاستسلام لقضاء ربي في ليلة التاسع عشر من أكتوبر كهذه الليلة منذ ثمانية عشر عاماً حيث صدر قراري بأن أرحل بأمي المكلومة في صحتها وعمرها من بين أولئك المرضى لأنتقل بها إلى ما كان يسمى بيتها ، فلقد زهقت روحها الغالية من جسدها المريض ، أكاد أذكرها كأنها حدثت منذ قليل ، حينما كانت تنظر لي نظرة ألم ممزوجة بالوداع وفقدان الأمل ، نظرة حب تشتكي المعاناة ، نظرة تدعوني إلى الاستغناء عن العقاقير الطبية لأنها أوشكت على الرحيل.