وصف الكتاب:
مرّ أسبوعان دون الذهاب إلى العذراء، أو الاتصال بها، قضتهما بين نهار يصدح بالفخامة الباروكية لموسيقى باخ، وليل ترتدي فيه الكتان السماوي وغطاء الرأس الأبيض، توقد الشموع وتجلس على الأرض ظهرها للحائط، ساقاها مضمومتان إلى صدرها، أذناها ترهفان السمع لأيّ صوت يصدر من ناحية باب الشقة، وعيناها على الشموع المشتعلة، تتحركان بين الصفاء الثقيل للهب ومسارات السائل الشمعي بكامل تعرجاته. لم تجرب يومًا أن تحزن على شيء أو تفرح به، فقط تشعر بالاحتياج إلى أن يُدقَّ جرس الباب، إلى أن تفتح بابا فيطالعها وجهه الصموت وقامته المتوسطة تخطو –كما في كل مرة– العدد المنتظم من الخطوات إلى غرفتهما، ابتسمت لحقيقة أنه لأكثر من عشر سنوات (عمرُ تردّده على الشقة) ظلّ محتفظًا بمسار حركته نفسه، يستخدم الصالة للمرور إلى الغرفة، تمامًا كما يستخدم الجرس للدق عليه، والباب للدخول منه لا أكثر ولا أقل، لم تتطلع عيناه يومًا إلى أيّ تفصيلة في الصالة، ورغم الليالي الطويلة من التنويعات البكائية لأعينهما والشموع، لم يسألها يومًا استخدام الحمام أو مشاهدة بقية الشقة ولو من باب الفضول.