وصف الكتاب:
لقد راهنت القصة المعاصرة على الدلالة عوض المعنى المعجمي الجامد، وأولت العناية بالغير على حساب الأنا، حتى لو صرّحت بها، ذلك أن الألفاظ ليست مهمة في ذاتها، ولكن أشباحها الخافتة هي ما يعيد ترميم الوجود، ويرى في الهياكل الثابتة برودة قاتلة. القصة المعاصرة تصيغ كينونتها من لغة لا تعرف الموت، ولا تنحاز للواقع باستراتيجيتي الخيبة والأمل، وإنما تبلغ بالخيبة أقصاها، وبالأمل إلى حد العدم، وترمز إلى مرجعها بالعبث. لكل قاص نصوص تنطوي أكثر على إمكان جمالي يسمح بملامسة حجم التغير الممكن في المسار الكتابي. ذلك أن حدود الاشتغال والتجلي النصي أصبح مقرونا بخصيصة "قوة المحكي" التي أرسى معالمها كبار منظري القصة القصيرة. وقابلوها بنفاذ البصيرة والإدراك واستخلاص الحقائق وتجسير المعارف على التخوم. إن القصة المفعمة بالدلالة على نحو لا يدنو من الوقائع والأحداث، لا تتمثل الأشياء والعناصر فحسب، وإنما تصبغها بأكبر قسط من الإيحاء والمشاعر الدفينة والمخزونة. وإذا ما اقتصرنا على البنيات المشابهاتية في الأداء، فإن القصة ستوجه دفتها نحو مقايسة متاحة ومطروقة، لا تندس فيها الخبرة والحرفية، بل تقدم السرد تقديما عاديا غير مستفز. ومن ثم استحال الحديث عن قصة جديدة، وإنما نكون بصدد تنويع أدائي واستلذاذ لفظي.